في ظل تصاعد العمليات العسكرية وتزايد التحذيرات الدولية، أسقط الجيش السوداني صباح السبت طائرة مسيّرة كانت تحلق فوق مدينة الأبيض، أكبر مدن إقليم كردفان، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على استعدادات ميدانية لمعركة واسعة النطاق بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في المنطقة.
تصدي جوي
أفادت مصادر محلية أن الدفاعات الجوية التابعة للجيش السوداني رصدت صباح السبت طائرتين مسيّرتين تحلقان على ارتفاع عالٍ فوق مدينة الأبيض، قبل أن تتصدى لهما المضادات الأرضية. وبث الجيش مقاطع مصورة تظهر حطام إحدى الطائرتين في أطراف المدينة، التي تُعد مركزًا استراتيجيًا في ولاية شمال كردفان. وتأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من اعتراض الجيش لسرب من الطائرات المسيّرة التابعة لقوات الدعم السريع، استهدفت مدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى هجمات مماثلة على مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال البلاد.
تصعيد مسيّرات
تواصل قوات الدعم السريع تكثيف هجماتها باستخدام الطائرات المسيّرة ضد أهداف عسكرية ومدنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش. وكان سلاح الجو السوداني قد شن يوم الخميس غارات بطائرات مسيّرة على مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في مدن مختلفة بإقليم دارفور، وسط تقارير عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف العسكريين. وتداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توثق لحظات اعتراض الدفاعات الأرضية لإحدى المسيّرات، ما يعكس تصاعدًا في وتيرة المواجهات الجوية بين الطرفين.
تحركات ميدانية
أفادت مصادر محلية أن قوات الدعم السريع حشدت عناصرها استعدادًا لمهاجمة الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة غرب إقليم كردفان، بينما تتحرك مجموعات أخرى حول البلدات المحيطة بمدينة الأبيض. ويأتي ذلك بعد أسبوعين من سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، ما دفعها إلى التهديد بتوسيع عملياتها العسكرية نحو ولايات كردفان. سكان مدينة الأبيض أعربوا عن قلقهم من احتمال شن هجوم على مدينتهم، خاصة بعد إعلان الجيش اعتراض طائرة مسيّرة أطلقتها قوات الدعم السريع على المدينة صباح السبت.
موقع استراتيجي
تقع مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، على بعد نحو 400 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الخرطوم، وتُعد مركزًا إقليميًا مهمًا وموقعًا استراتيجيًا على طريق الإمداد الرئيسي بين دارفور والخرطوم. وتحتوي المدينة على مطار، ما يجعلها هدفًا محوريًا في الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023. وعلى الرغم من إعلان قوات الدعم السريع قبولها لمقترح هدنة قدمه وسطاء دوليون يوم الخميس، فإن الأمم المتحدة أكدت لاحقًا عدم وجود مؤشرات على خفض التصعيد، محذرة من استمرار القتال.
مخاوف مدنية
قالت سعاد علي، وهي من سكان حي كريمة في مدينة الأبيض، إن السكان يشعرون بالخوف من تطورات الوضع، خاصة بعد ما حدث في مدينة الفاشر، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع بعد حصار دام 18 شهرًا. وأعقبت هذه السيطرة تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وخطف ونهب، ما أثار موجة إدانة دولية ومخاوف من امتداد القتال إلى منطقة كردفان الغنية بالنفط. وأعلنت الأمم المتحدة أن 40 شخصًا قتلوا في مدينة الأبيض يوم الاثنين خلال هجوم استهدف جنازة، ما يعكس تصاعدًا في العنف ضد المدنيين.
نزوح جماعي
في الأسبوع الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة بارا شمال الأبيض، ما أدى إلى نزوح أكثر من 36 ألف شخص من هذه البلدة وأربع بلدات أخرى في شمال كردفان خلال ستة أيام، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. وأعلنت قوات الدعم السريع أنها حشدت قواتها في بارا استعدادًا للتقدم نحو الأبيض، ونصحت المدنيين بالابتعاد عن الأهداف العسكرية. أحد سكان حي القبة في الأبيض قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن ما حدث في بارا زاد من مخاوف السكان، رغم تطمينات المسؤولين المحليين.
تحذيرات أممية
غداة إعلان قوات الدعم السريع موافقتها على مقترح الهدنة، حذّرت الأمم المتحدة من استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال العدائية في السودان. وأصدر مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك تحذيرًا شديدًا بشأن الأحداث الجارية في كردفان، مؤكدًا أن السيطرة على الفاشر أدت إلى ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين والدمار والنزوح الجماعي، دون وجود أي مؤشر على خفض التصعيد. مصدر عسكري سوداني أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن الدفاعات الجوية في الأبيض أسقطت طائرة مسيّرة أطلقتها قوات الدعم السريع على المدينة صباح السبت.
خارطة السيطرة
مع سقوط مدينة الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع، تكون الأخيرة قد سيطرت على جميع عواصم الولايات الخمس في إقليم دارفور، ما أثار مخاوف من تقسيم السودان بين شرق وغرب. في المقابل، يسيطر الجيش السوداني على غالبية المناطق الواقعة في الشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. ومنذ سقوط الفاشر، فرّ أكثر من 80 ألف شخص من المدينة والمناطق المحيطة بها، وفقًا لتقارير وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، التي أشارت إلى أن قسمًا منهم لجأ إلى مدن طويلة وكبكابية ومليط وكتم القريبة.
أزمة إنسانية
أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، وهي منظمة غير حكومية، أن أكثر من 16 ألف شخص وصلوا إلى مدينة طويلة وهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية. وكان عدد سكان مدينة الفاشر يناهز 260 ألف نسمة قبل سيطرة قوات الدعم السريع عليها، ولا يُعرف الكثير عن مصير الآلاف الذين ما زالوا محاصرين داخل المدينة، التي انقطعت فيها الاتصالات إلى حد كبير. وقالت ماتيلد فو، مسؤولة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين في السودان، إن العديد من العائلات الواصلة إلى طويلة جاءت مع أطفال فقدوا ذويهم خلال رحلة النزوح، مشيرة إلى أن بعضهم اعتُقل أو قُتل أثناء محاولات الفرار.
زيارة البرهان
زار قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، السبت، نازحين من مدينة الفاشر في مدينة الدبة الواقعة شمال البلاد، والتي تبعد نحو ألف كيلومتر عن موقع الأحداث. وأعلنت الحكومة الموالية للجيش أن أكثر من 50 ألف شخص فروا إلى مدينة الدبة منذ بدء حصار قوات الدعم السريع للفاشر في أبريل 2024، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غرب السودان.
