في شهادة فكرية وسياسية نادرة، يتحدث الدكتور المحبوب عبد السلام ضمن حوار مع جريدة الشرق الاوسط رصده اخبار السودان عن موقفه من التشريعات الإسلامية التي أقرها الرئيس الأسبق جعفر نميري، وتأثيرها على وحدة السودان، كاشفًا عن تفاصيل موقفه خلال مفاوضاته مع الحركة الشعبية، وموقفه من استقلال الجنوب.
تحدي الوحدة
يشير عبد السلام إلى أن أحد أكبر التحديات التي واجهت وحدة السودان تمثّل في القوانين الإسلامية التي أُقرت في عهد الرئيس جعفر نميري، والمعروفة بقوانين الحدود. ويؤكد أن هذه القوانين، التي تشمل قطع اليد، وجلد الشارب، والزاني، كانت تمثل عقبة أمام التوصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي كانت تطالب بإلغائها كشرط أساسي للمضي في أي تسوية سياسية. ويضيف أن هذه المطالب وضعت الحركة الإسلامية أمام اختبار حقيقي، بين التمسك بالتشريعات أو الحفاظ على وحدة البلاد.
موقف أصولي
يوضح عبد السلام أنه، خلال مفاوضاته مع الحركة الشعبية، نقل إليهم رأيًا واضحًا من الشيخ راشد الغنوشي، مفاده أن وحدة السودان يجب أن تُقدَّم على تطبيق الحدود، وأن القوانين الإسلامية ليست جامدة، بل تخضع للظروف النفسية والتاريخية للمجتمع. ويؤكد أن هذا كان رأيه الأصولي أيضًا، وأنه يرى أن التشريعات، مثلها مثل أي قوانين أخرى، يجب أن تُفهم في سياقها، وأن تُطبّق بما يتناسب مع واقع المجتمع، لا أن تُفرض كمنظومة مغلقة لا تقبل التعديل.
خيار الانفصال
يشير عبد السلام إلى أن الحركة الشعبية وضعت خيارًا واضحًا أمام الحكومة: إما إلغاء قوانين الحدود، أو الذهاب إلى استفتاء يفضي إلى الانفصال. ويؤكد أن هذا التحدي لم يُواجَه بالمرونة المطلوبة، وأن التمسك بالتشريعات الإسلامية ساهم في تعقيد المفاوضات، وفي دفع الجنوب نحو خيار الانفصال. ويضيف أن هذا الموقف كان نتيجة غياب رؤية سياسية مرنة داخل الحركة الإسلامية، التي لم تستطع التوفيق بين متطلبات الحكم ومتطلبات الدعوة، وبين الحفاظ على السلطة والحفاظ على وحدة البلاد.
مراجعة داخلية
يرى عبد السلام أن هذه التجربة كانت من أبرز المحطات التي دفعته إلى مراجعة مواقفه الفكرية والسياسية، وأنها ساهمت في بلورة موقفه النقدي من أداء الحركة الإسلامية في الحكم. ويؤكد أن الحركة، في سعيها إلى تطبيق الشريعة، تجاهلت تعقيدات الواقع السوداني، وتسببت في عزلة سياسية واجتماعية، وفي تفاقم الصراعات الداخلية. ويضيف أن هذه الأخطاء لم تكن نتيجة سوء نية، بل نتيجة غياب الفهم العميق لطبيعة الدولة والمجتمع، وللتحولات التي كانت تجري في الإقليم والعالم.
مسؤولية مشتركة
يختم عبد السلام حديثه بالتأكيد على أن الحركة الإسلامية لم تكن وحدها مسؤولة عن انفصال الجنوب، بل كانت شريكة في المسؤولية مع بقية النخب السياسية، التي فشلت في تقديم مشروع وطني جامع. ويشير إلى أن السودان، منذ الاستقلال، لم ينجح في بناء دولة تتسع لتنوعه، وأن هذا الفشل هو الذي مهّد الطريق للانقسامات، والانقلابات، والحروب، والانفصال. ويؤكد أن تجاوز هذه المرحلة يتطلب مراجعة شاملة للمفاهيم والسياسات، وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، تتجاوز أخطاء الماضي.
