في تحليل اقتصادي موسّع نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف الصحافي الأميركي كريس ويذرسبون الوضع المالي لنادي برشلونة بأنه أشبه بمواجهة مستمرة مع «الهيدرا» الإغريقية، حيث تتكاثر الأزمات كلما ظن النادي أنه أغلق أحد ملفاتها، في إشارة إلى تعقيدات الديون والعقود والمشاريع الاستثمارية التي تثقل كاهل النادي منذ أكثر من ثمانية أعوام.
أزمة متجددة
أشارت تقارير صحافية إلى أن الحسابات المالية لنادي برشلونة باتت تمثل تحدياً دائماً لإدارته، إذ تشبه معركة لا تنتهي مع أزمات متلاحقة، تتعلق بالديون المتراكمة والعقود الضخمة والمشاريع الاستثمارية المعقدة. ووصفت صحيفة «سبورت» الإسبانية الوضع بأنه يشبه مواجهة «الهيدرا» الأسطورية، حيث تنبت أزمتان جديدتان كلما تم حل واحدة. التقرير الذي أعده ويذرسبون أكد أن النادي يواجه صعوبات هيكلية في إدارة ملفاته المالية، رغم التحسن الرياضي الذي شهده مؤخراً.
تحسن رياضي
أوضح التقرير أن برشلونة استعاد بعضاً من قوته الرياضية بعد ثلاث سنوات عجاف خلت من الألقاب في بداية العقد الحالي، حيث نجح في الفوز بلقب الدوري الإسباني مرتين خلال آخر ثلاث نسخ، وبلغ نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ ستة أعوام. إلا أن هذا التحسن داخل الملعب لم ينعكس على الوضع المالي للنادي، الذي لا يزال يعاني من تداعيات قرارات سابقة، أبرزها الإنفاق المفرط على التعاقدات وتجديد العقود، ما أدى إلى تفاقم الأزمة خارج الملعب.
نقطة تحول
اعتبر ويذرسبون أن نقطة التحول الكبرى في مسار الأزمة بدأت مع صفقة انتقال نيمار إلى باريس سان جيرمان عام 2017 مقابل 222 مليون يورو، والتي بدت حينها كطوق نجاة مالي للنادي، لكنها تحولت سريعاً إلى عبء جديد بعد إنفاق المبلغ بالكامل على صفقات ضخمة مثل فيليب كوتينيو وعثمان ديمبيلي وأنطوان غريزمان، إلى جانب تجديد عقد ليونيل ميسي الذي تجاوزت قيمته 500 مليون يورو. وبدلاً من استثمار العائدات في مشاريع طويلة الأمد، أنفق النادي الأموال فوراً، بل تجاوزها في بعض الحالات.
تداعيات الجائحة
تفاقمت الأزمة المالية للنادي مع جائحة «كورونا»، التي تسببت في انخفاض إيرادات التذاكر من نحو 175 مليون يورو إلى 23 مليوناً فقط خلال عامين، ما دفع الإدارة إلى تأجيل المدفوعات واللجوء إلى قروض طارئة، من بينها قرض مرحلي بقيمة 80 مليون يورو، وإعادة تمويل بقيمة 525 مليون يورو. ونتيجة لهذه الإجراءات، وصلت ديون النادي إلى مستوى غير مسبوق بلغ نحو مليار وأربعمائة وخمسين مليون يورو، وهي مرشحة للزيادة بسبب مشروع «إسباي برشلونة» لتجديد ملعب كامب نو ومحيطه، الذي تبلغ قيمته التقديرية مليار يورو تقريباً دون تحديد موعد نهائي للانتهاء.
رافعات مالية
أفاد التقرير بأن إدارة الرئيس خوان لابورتا لجأت إلى ما يُعرف بالرافعات المالية لإنقاذ الوضع، من خلال بيع جزء من حقوق البث التلفزيوني في الدوري الإسباني لشركات استثمارية أميركية، وطرح مساحات كبار الشخصيات في ملعب كامب نو، وإعادة هيكلة شركات النادي الإعلامية. وأسهمت هذه العمليات في تحقيق أرباح محاسبية تجاوزت 800 مليون يورو في موسم 2022–2023، إلا أن جزءاً كبيراً منها لم يتحول إلى سيولة فعلية، ما اضطر النادي إلى إعادة تقييم بعض تلك الصفقات في ميزانياته اللاحقة.
إنفاق محسوب
سمحت هذه الإجراءات لبرشلونة بضم لاعبين بارزين مثل روبرت ليفاندوفسكي ورافينيا وداني أولمو، رغم أن سقف الإنفاق على الرواتب كان سالباً وفق لوائح الدوري الإسباني. واعتبر ويذرسبون أن النادي لا يزال يمثل لغزاً مالياً، إذ إن الحفاظ على التوازن بين الطموح الرياضي والاستقرار الاقتصادي يتطلب شجاعة ومخاطرة، وهي معادلة لا يتقنها سوى لابورتا، الذي يجمع بين الإبداع والجدل في قراراته. وأشار إلى أن الإدارة خفّضت صافي الإنفاق على الانتقالات إلى ما يقارب الصفر، مقابل زيادة الإنفاق على رواتب المواهب الشابة مثل لامين يامال وغافي.
عوائد تجارية
شهدت العوائد التجارية للنادي تحسناً ملحوظاً بفضل عقود الرعاية مع شركات مثل «نايكي» و«سبوتيفاي»، إلى جانب العودة المنتظرة إلى ملعب كامب نو، ما أسهم في تسجيل أول ربح تشغيلي منذ ثماني سنوات بقيمة تزيد على 72 مليون يورو. كما انخفضت نسبة الرواتب إلى الإيرادات إلى 52 في المائة، وهي النسبة الأدنى منذ أكثر من عقد. ومع ذلك، لا تزال المخاطر قائمة، إذ كشفت مراجعة مالية أجرتها شركة «غرانت ثورنتون» لحسابات موسم 2023–2024 عن اختلافات في تقييم أصول مثل «برسا فيغن»، كما غيّر النادي شركة التدقيق مرتين خلال عام واحد.
مستقبل غامض
اختتم ويذرسبون تحليله بالإشارة إلى أن الديون طويلة الأجل وفوائد مشروع «إسباي برشلونة» قد تحدّان من قدرة النادي على منافسة الأندية المدعومة من مستثمرين أثرياء مثل باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي. وأكد أن التقدم المالي الذي أحرزه برشلونة لا يزال هشاً رغم المكاسب الأخيرة، موضحاً أن الحديث عن تعافي النادي من أزمته السابقة سابق لأوانه، إذ إن كل محاولة لتحقيق التوازن المالي تكشف عن رأس جديد من رؤوس «الهيدرا» المحاسبية، في إشارة إلى أن أزمات برشلونة المالية لا تزال تتكاثر كلما ظنّ المراقبون أن النادي بدأ يتعافى.
