منتدى الإعلام السوداني
الدبة 4 نوفمبر 2025، (سودان تربيون) – إلى مركز “حوش مليط” في مدينة الدبة بالولاية الشمالية، تصل عشرات الأسر النازحة من الفاشر وهي مقطعة الأوصال بفقدان الشباب منها، منهكة جراء 17 شهرًا من الحصار والمعارك.
بعد وصول النازحين إلى محطة تجميع القادمين الجدد، مركز حوش مليط في مدينة الدبة، التي تبعد نحو 350 كيلومترًا شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، يُرحّلون إلى مخيم العفاض على الضفة الشرقية للنيل، والذي تجري عليه عملية توسعة لاستيعاب موجة نزوح كبيرة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السادس والعشرين من أكتوبر.
هنا وهناك تنتشر مشاهد تلقي العزاء وسط النازحين الجدد لدى وصولهم، في أقاربهم الذين فقدوهم خلال المعارك الأخيرة التي أدت إلى سقوط الفاشر، أو أنهم قُتلوا في الطريق أثناء فرارهم من المدينة.
وغالبية الأسر التي وصلت الدبة بعد سقوط الفاشر لديها مفقودون؛ بسبب اختطاف الدعم السريع للشباب من الأسر خلال مغادرتها الفاشر.
وتتحاشى الأسر التي فقدت بعض أفرادها الظهور أمام الكاميرات أو حتى مجرد الحديث للصحافة، خشية أن يتعرض أقاربهم المخطوفون للأذى على يد خاطفيهم. ويبدو أن النازحين يخشون أن يضاعف الخاطفون الدية التي يطالبون بها إذا علموا أن أسرة المخطوف كشفت عن تعرض ابنها للخطف.
جلست “سودان تربيون” إلى أسرة كانت نساؤها ينتحبن بسبب فقدان اثنين من أبنائها، أحدهما خلال المعارك التي أسفرت عن سقوط الفاشر، وآخر لقي حتفه خلال رحلة النزوح في الطريق، بينما لا يزال الشقيق الثالث مختطفًا على يد قوات الدعم السريع بالفاشر.
وتقول “ع”، وهي سيدة أربعينية، إن لديها طفلًا في عمر 15 عامًا، اقتادته عناصر من الدعم السريع بعيدًا عنها، وطلبوا منها تركه ومغادرة الفاشر مع جموع النازحين.
عشرات الأطفال بين النازحين وصلوا في الرحلة من الفاشر إلى مدينة الدبة دون ذويهم، حيث يخضعون للدعم النفسي بعد ما شهدوه من أهوال في الفاشر وفي طريق الفرار نحو النجاة.
تقول هيام عمر، مديرة منظمة تنمية الأطفال – مكتب الولاية الشمالية، لـ”سودان تربيون”، إن مركز حوش مليط يأوي 85 طفلًا من الأطفال المنفصلين عن ذويهم، موضحة أن هذا العدد مرشح للزيادة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، حيث يُنتظر ارتفاع معدلات تدفق النازحين إلى الدبة، الوجهة الرئيسية للنازحين إلى الولاية الشمالية.
ووفقًا لسامي أسود، مدير مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بالشمالية ودارفور، لـ”سودان تربيون”، فإن التوقعات تشير إلى احتمال وصول ما بين 30 ألفًا إلى 50 ألف نازح من دارفور إلى الولاية الشمالية.
خيار مغادرة المدنيين لمدن دارفور وكردفان لم يكن سهلًا على من فروا، لأن الدروب التي عليهم سلكها في طريق الهروب كانت محفوفة بالمخاطر، تتوزع خلالها نقاط التفتيش التابعة للدعم السريع، ممتدة على طول الطريق البالغ نحو 600 كيلومتر حتى مدينة الدبة.
تقول سحر فضل الله، وهي نازحة من مدينة النهود بولاية غرب كردفان، وصلت مخيم العفاض بمحلية الدبة برفقة طفليها المريضين، إنها فضّلت النزوح “لأن العيش مع الدعم السريع أصبح صعبًا” – حسب تعبيرها.
وتضيف سحر لـ”سودان تربيون” أن أفراد الدعم السريع يقتحمون المنازل في النهود من أجل النهب، ويمكن أن يلجأوا للقتل في سبيل المال أو من أجل امرأة.
أما عرفة مكي، فتروي لـ”سودان تربيون” معاناتها مع عناصر الدعم السريع في طريق مغادرتها الفاشر، حيث جردوها ورفيقاتها من الأموال والهواتف تحت تهديد السلاح. وتذكر عرفة أنها كانت محظوظة لأن نازحين آخرين غادروا الفاشر خلفها تعرضوا للقتل على يد قوات الدعم السريع.
وأشارت إلى أن قوات الدعم السريع احتجزوها ضمن نازحين آخرين في “قرني” القريبة من الفاشر لأربعة أيام، قبل أن تتمكن مع آخرين من الهروب والسير على أرجلهم ليومين متواصلين حتى بلدة مليط (حوالي 65 كيلومترًا شمالي الفاشر)، ومن هناك استقلوا الشاحنات حتى مدينة الدبة.
وصلت أماني سراج (50 سنة) وشقيقتها الحبلى إلى مخيم حوش مليط بعد رحلة تشكلت بين السير على الأقدام، ثم عربات تجرها الدواب فشاحنات عتيقة، استغرقت أسبوعًا، بتكلفة 1.2 مليون جنيه (حوالي 350 دولارًا) للمسافر الواحد.
وتقول أماني لـ”سودان تربيون” إنها شهدت في الفاشر هجوم قوات الدعم السريع على المدينة الخميس قبل الماضي، وهو الهجوم الذي أدى إلى السقوط بعد ثلاثة أيام يوم الأحد. تعرضت أماني للإصابة في يدها وجانبها الأيسر جراء قذيفة سقطت في حي “الدرجة الأولى” بالفاشر الذي تقطن فيه.
على إثر ذلك، اضطرت أماني للخروج من الفاشر نحو طرة (حوالي 40 كيلومترًا شمالي الفاشر) سيرًا على الأرجل والدواب، ومنها عبر سيارات “البفلو” (شاحنات دفع رباعي)، إلى سوق العرب في كردفان. وتضيف أماني أن أسرتها استقلت من سوق العرب شاحنات أكبر إلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية.
وتشكو من أنها فقدت كل مدخراتها من الأموال وباتت في انتظار مساعدات الغذاء والدواء والكساء التي يمكن أن تُقدّم للنازحين في الدبة.
مرتضى محمد آدم، دفعت به الأقدار للخروج من الفاشر قبل سقوطها في يد الدعم السريع بيومين، يقول: “نفد الطعام.. لا يوجد طعام بأي ثمن”. ويضيف في حديثه لـ”سودان تربيون” أنه كان يأمل في تحسن الأوضاع في الفاشر، “لكن الأمور أصبحت هناك لا تُطاق” – حسب تعبيره.
ويذكر مرتضى والدموع تنهمر من عينيه أنه اضطر لترك أمه في مليط بشمال دارفور، لأن قوات الدعم السريع هناك تستهدف الشباب وتقوم بالقبض عليهم، كما أنه لا يملك المال لمساعدتها على السفر من مليط إلى الدبة؛ لأن من كان يرسل لهم الأموال عبر التطبيقات البنكية قُتل بالفاشر في ذات اليوم الذي استولت فيه قوات الدعم السريع على المدينة.
يحيى عبد الله إسحاق كان أيضًا من بين الذين تمكنوا من الوصول إلى مخيم حوش مليط بمدينة الدبة فارًا من الفاشر بعد أسبوع، مع أسرته المكونة من 11 شخصًا بينهم أطفال ونساء.
ويقول يحيى إن قوات الدعم السريع تمكنت من السيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالفاشر منذ يوم السبت قبل الماضي، وبعدها أصبح المواطنون تحت خطر النيران من كل الاتجاهات، ما اضطرهم لمغادرة المدينة قبل إعلان الدعم السريع السيطرة عليها الأحد الماضي.
ويؤكد أن “أم أبنائه” قُتلت جراء إصابة في رأسها بمُسيّرة ضمن مُسيّرات كثيرة استخدمتها قوات الدعم السريع خلال خروج المواطنين من المدينة. ويتابع: “خلال طريق خروجنا من الفاشر وحتى طرة، كانت الجثث ملقاة على طول الطريق”.
في مخيمات النزوح على ضفاف النيل، تتكثف الحكايات بين الفقد والأمل، بين أم تبحث عن ابنها الغائب أو تسكن ذاكرتها مشاهد تعذيبه ومقتله، وطفل يستيقظ مذعورًا على كوابيس مشاهد مروعة دون حضن يحتويه. تظل حكايات النازحين القادمين من المحرقة مع كل فوج جديد يصل إلى “حوش مليط”. ووسط كل هذا الركام، تظل الرغبة في النجاة والحياة أقوى من كل الفظائع في انتظار صمت البنادق.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون) كرصد ميداني للمأساة الإنسانية للنازحين الفارين من مدينة الفاشر بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وما واجهوه من انتهاكات مروعة في طريق الهروب نحو الولاية الشمالية. ويصف معاناة الأسر التي فقدت أبناءها وأطفالًا انفصلوا عن ذويهم.
ويسلط الضوء على الظروف القاسية التي يعيشها الناجون في معسكرات “الدبة” و”العفاض”، في ظل تزايد أعداد النازحين وتدهور الوضع الإنساني.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا
