منذ اللحظة الأولى لانطلاق صافرة الكلاسيكو، بدا أن المواجهة بين ريال مدريد وبرشلونة ستفي بكل وعودها من إثارة ودراما وتحولات مفاجئة، ولم تخلُ من الجدل التحكيمي الذي بات سمة ملازمة لهذه القمة التاريخية. البداية جاءت بركلة جزاء احتسبها الحكم لصالح ريال مدريد إثر احتكاك بين فينيسيوس جونيور ولامين يامال داخل منطقة الجزاء، قبل أن يتدخل حكم الفيديو المساعد ويقرر إلغاء القرار بعد مراجعة أظهرت أن فينيسيوس هو من اصطدم بيامال. وعلى الرغم من وضوح الإعادة، فإن مثل هذه الحالات كثيراً ما تُحتسب في مباريات أخرى، ما فتح الباب مبكراً أمام الجدل الجماهيري.
هدف ملغى
بعد عشر دقائق فقط، اعتقد كيليان مبابي أنه افتتح التسجيل لريال مدريد بتسديدة مذهلة من خارج المنطقة، إثر تمريرة رأسية من أردا غولر، لكن الإعادة أظهرت أنه كان متسللاً بفارق ضئيل للغاية. ومع ذلك، لم ينتظر الفريق الملكي طويلاً، إذ نجح جود بيلينغهام في تمرير كرة ساحرة اخترقت دفاع برشلونة، ليضع مبابي الكرة في الشباك بلمسة أرضية بارعة، معلناً الهدف الأول وسط فرحة عارمة في مدرجات البرنابيو.
رد برشلونة
وبحسب شبكة “The Athletic”، فإن ريال مدريد كان الطرف الأفضل في معظم فترات الشوط الأول، بينما بدا برشلونة متماسكاً بالكاد حتى استغل خطأً من أردا غولر، ليخطف فيرمين لوبيز هدف التعادل بعد تمريرة دقيقة من ماركوس راشفورد. هذا الهدف أعاد التوازن للمباراة مؤقتاً، لكنه لم يكن كافياً لزعزعة تفوق ريال مدريد، الذي واصل ضغطه الهجومي.
تفوق بيلينغهام
في أول كلاسيكو يشهد مشاركة لاعبين إنجليزيين من كلا الفريقين، لم يكتفِ جود بيلينغهام بصناعة الهدف الأول، بل أضاف الهدف الثاني قبل نهاية الشوط الأول، بعد متابعة لرأسية إيدير ميليتاو داخل منطقة الجزاء. هذا الأداء أكد عودة بيلينغهام إلى مستواه المعهود، بعد موسم سابق اتسم بالتذبذب والإصابات، وخصوصاً العملية الجراحية التي خضع لها في الكتف خلال الصيف الماضي.
جدل متجدد
مع بداية الشوط الثاني، عاد الجدل التحكيمي إلى الواجهة، حين احتُسبت ركلة جزاء جديدة لصالح ريال مدريد بعد أن ارتدت الكرة من إريك غارسيا إلى يده داخل المنطقة. تقدم مبابي لتنفيذ الركلة، لكن الحارس فويتشيخ تشيزني تصدى لها ببراعة، مانعاً الهدف الثالث. هذا التصدي أعاد الأمل لبرشلونة في العودة إلى أجواء اللقاء، إلا أن أداء الفريق بقي باهتاً، خاصة في ظل غياب المدرب هانسي فليك عن الخطوط بسبب الإيقاف.
توتر ختامي
في الوقت بدل الضائع، حصل بيدري على الإنذار الثاني ليغادر الملعب مطروداً، ما أدى إلى اشتباك بين دكّتي الفريقين استدعى تدخل رجال الأمن لاحتواء الموقف. أما ريال مدريد، فرغم تفوقه، فقد سجلت ملاحظة سلبية واحدة تمثلت في غضب فينيسيوس جونيور عند استبداله في الشوط الثاني، حيث أبدى انزعاجاً واضحاً من القرار الفني.
صدارة الليغا
بفضل هذا الانتصار، وسّع ريال مدريد الفارق في صدارة الدوري الإسباني إلى خمس نقاط بعد مرور عشر جولات من الموسم الجاري 2025-2026. هذا التقدم يعكس نجاح تشابي ألونسو في إدارة المواجهات الكبرى، رغم بعض علامات الاستفهام حول قراراته الفنية، ومنها استبدال فينيسيوس. ومع استمرار اهتزاز برشلونة، يبدو أن لقب الليغا يقترب أكثر من العاصمة مدريد.
تحكيم مثير
التحكيم وتقنية الفيديو المساعد باتا جزءاً لا يتجزأ من هوية الكلاسيكو الحديث، لكن المفاجأة هذه المرة كانت في سرعة الجدل. ففي الدقيقة الثانية، أُلغي قرار احتساب ركلة جزاء بعد مراجعة الشاشة، ما أثار هتافات “نيغريرا! فساد الاتحاد!” في البرنابيو، في إشارة إلى المسؤول التحكيمي السابق المتهم بمحاباة برشلونة. وبعد عشر دقائق، أُلغي هدف مبابي بداعي التسلل، وسط جدل حول هوية اللاعب الذي لمس الكرة أخيراً، قبل أن يُظهر النظام شبه الآلي أن الفارق كان بالملليمترات.
يامال تحت الضغط
قبل المباراة بيومين، أطلق لامين يامال تصريحات ساخرة وصف فيها ريال مدريد بأنه “فريق شكاك وسارق”، ما أشعل الأجواء قبل انطلاق اللقاء. ومع بداية المباراة، كاد يامال يتسبب بركلة جزاء ضد فريقه، لولا تدخل تقنية الفيديو. الجماهير المدريدية لم ترحمه، إذ أطلقت صافرات الاستهجان كلما لمس الكرة، واحتفلت بفقدانه للاستحواذ أو تمريراته الخاطئة. أداء يامال جاء باهتاً، إذ لم يسدد سوى مرة واحدة، وفقد الكرة ثماني مرات، ونجح في مراوغة واحدة فقط، بينما تعامل معه ألفارو كاريراس بصلابة دفاعية واضحة.
بيلينغهام يعود
اختار جود بيلينغهام الكلاسيكو ليعلن عودته القوية مع ريال مدريد. بعد موسم سابق اتسم بالتراجع، جاء هدفه أمام يوفنتوس في دوري الأبطال ليمنحه دفعة معنوية، قبل أن يتألق أمام برشلونة بتمريرة حاسمة لمبابي وهدف ثانٍ يعكس ذكاءه وتمركزه. حتى ركلة الجزاء التي احتُسبت لريال جاءت بعد عرضية منه اصطدمت بيد غارسيا. وفي الدقيقة 68، أطلق تسديدة جميلة في الشباك، لكن الهدف أُلغي لتسلل زميله. هذا الأداء أعاد بيلينغهام إلى صورة القائد الذي يحتاجه ريال مدريد في الليالي الكبرى.
خطة ألونسو
طوال الشوط الأول، اعتمد تشابي ألونسو على توزيع تكتيكي بسيط وفعّال: لاعب بين خطوط برشلونة، مبابي في قلب الدفاعين، فينيسيوس على الجناح، وبيلينغهام في اليمين، مع انضمام غولر للهجوم عند الحاجة. في الهدف الأول، تحرك كامافينغا نحو اليمين، ما منح بيلينغهام المساحة للتمرير المثالي إلى مبابي. مشكلات برشلونة الدفاعية ظهرت مجدداً، خصوصاً مع تقدم أليخاندرو بالدي، ما سمح لمدريد باستغلال المساحات أو تبديل اللعب لتجاوز الضغط.
انهيار برشلونة
في الشوط الثاني، تراجع ريال مدريد إلى نصف ملعبه ولعب على المرتدات، ونجح في ذلك تماماً. ضغط برشلونة في الوقت بدل الضائع بكل ما لديه، حتى دفع رونالد أراوخو كمهاجم، لكن دون جدوى. المدرب المؤقت ماركوس سورغ أجرى تبديلات متأخرة، لكن حتى اللاعبين بدوا مرتبكين؛ فرينكي دي يونغ صرخ باتجاه الدكة مستفسراً عن أماكنهم الجديدة، فيما نُقل فيرمين لوبيز إلى الجناح، وراشفورد إلى الهجوم، دون أن يتغير الإيقاع.
أزمة فنية
الأداء الباهت لبرشلونة لم يكن مفاجئاً، فالفريق لم يظهر منذ بداية الموسم بنفس الإيقاع أو السيطرة التي ميزته العام الماضي، خصوصاً خارج أرضه. غياب فليك عن الخطوط بعد طرده أمام جيرونا ساهم في الفوضى، إلى جانب الإرهاق الناتج عن الإصابات. لكن الأزمة تبدو أعمق من ذلك، إذ بات من الضروري استعادة الاتزان الفني إذا أراد الفريق الدفاع عن لقبه.
مدريد يتقدم
رغم بعض علامات الاستفهام حول تغييرات ألونسو، فإن جميع قراراته أثبتت فعاليتها. ريال مدريد ظهر أكثر تنظيماً وشراسة ونضجاً، ونجح في فرض إيقاعه على المباراة. ومع اتساع الفارق إلى خمس نقاط، واستمرار اهتزاز برشلونة، يبدو أن لقب الليغا يقترب أكثر من العاصمة، في موسم قد يشهد عودة الهيمنة الملكية إلى الملاعب الإسبانية.
