
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن النظام الصحي في السودان يواجه انهيارًا شبه كامل، بعد أن خرج نحو 75% من المرافق الصحية عن الخدمة نتيجة النزاع المستمر بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. هذا التعطيل الواسع للبنية التحتية الطبية جعل البلاد غير قادرة على احتواء تفشي الأمراض، في وقت تتصاعد فيه معدلات الإصابة بالكوليرا بشكل مقلق. وأوضح المكتب أن هذا الوضع يهدد قدرة السودان على مواجهة انتشار المرض، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار الذي عادةً ما يشهد ارتفاعًا في معدلات العدوى.
تفشي الكوليرا
في بيان صدر يوم السبت، حذرت أوتشا من أن وباء الكوليرا في السودان تسبب حتى الآن في أكثر من ثلاثة آلاف حالة وفاة، إلى جانب تسجيل ما يزيد عن 120 ألف إصابة مؤكدة. ويأتي هذا التصاعد في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، التي لم تعد قادرة على الاستجابة الفعالة بسبب نقص التمويل، وتوقف غالبية المرافق عن العمل، وتحديات لوجستية وأمنية تعرقل حملات التطعيم وتوزيع المياه النظيفة. ويُعد هذا التفشي من بين الأسوأ في تاريخ السودان الحديث، ويعكس هشاشة النظام الصحي في مواجهة الأزمات الممتدة.
مناطق منكوبة
أشارت أوتشا إلى أن ولايات الخرطوم والجزيرة والقضارف ودارفور تُعد من أكثر المناطق تضررًا من تفشي الكوليرا، حيث تتفاقم معدلات الإصابة نتيجة النزوح الجماعي، وتلوث مصادر المياه، وانهيار خدمات الصرف الصحي. هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة خصبة لانتشار الأوبئة، في ظل غياب الرقابة الصحية الفاعلة، وتوقف أكثر من نصف المرافق الطبية عن تقديم الخدمات. وتُظهر هذه المناطق نمطًا متكررًا من التدهور الصحي، ما يجعلها في صدارة أولويات الاستجابة الإنسانية، رغم محدودية الموارد المتاحة.
ضعف الرصد
وكانت السلطات السودانية قد أعلنت رسميًا عن تفشي الكوليرا في أغسطس 2024، إلا أن منظمة الصحة العالمية تُقدّر أن عدد الحالات الفعلية يفوق بكثير الأرقام المعلنة، بسبب ضعف نظم الرصد والإبلاغ، وتوقف العديد من المراكز الصحية عن العمل. هذا التفاوت بين الأرقام الرسمية والتقديرات الدولية يعكس حجم الفجوة في القدرة على تتبع انتشار المرض، ويؤكد أن الأزمة الصحية في السودان تتجاوز ما هو ظاهر في التقارير اليومية، ما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لتعزيز آليات الرصد والاستجابة.
أزمة تمويل
تسعى الأمم المتحدة وشركاؤها إلى جمع نحو 50 مليون دولار لدعم خطة الاستجابة الصحية حتى نهاية العام، لكن نسبة التمويل لا تزال محدودة، ما ينذر بتفاقم الوضع خلال الأسابيع المقبلة. ويُعد نقص التمويل أحد أبرز العوائق أمام تنفيذ حملات التطعيم وتوفير المياه النقية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى تدخلات عاجلة لاحتواء انتشار الكوليرا ومنع تحوّلها إلى كارثة صحية واسعة النطاق. ويُخشى أن يؤدي استمرار العجز المالي إلى انهيار كامل في جهود الإغاثة، خاصة في المناطق التي تشهد أعلى معدلات الإصابة.
تداعيات الحرب
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، شهدت البلاد انهيارًا واسعًا في البنية التحتية الصحية، ونزوحًا جماعيًا تجاوز عشرة ملايين شخص داخل السودان وخارجه، وفق تقديرات الأمم المتحدة. هذا النزاع المسلح أدى إلى تدمير المستشفيات، ونقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية، ما جعل الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة والملاريا تنتشر بوتيرة غير مسبوقة. وتقول منظمات الإغاثة إن النظام الصحي السوداني بات على حافة الانهيار الكامل، ما يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لتفادي كارثة إنسانية متفاقمة.