
مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع دول الآلية الرباعية بشأن الأزمة السودانية في العاصمة الأميركية واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري، تتزايد التوقعات داخل الأوساط السياسية والمدنية السودانية بأن هذه الجولة من التحركات الدولية قد تكون نقطة تحول نحو تسوية نهائية للنزاع المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع. ويعكس هذا الاجتماع المرتقب حالة من التفاؤل المتصاعد، لا سيما في ظل التدهور المستمر الذي خلفته الحرب على مدى أكثر من عامين، والتي أودت بحياة آلاف المدنيين، وتسببت في نزوح الملايين، وألحقت دماراً واسعاً بالبنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد. ويعتبر كثير من السودانيين، بمن فيهم سياسيون ونشطاء في منظمات المجتمع المدني، أن هذه المبادرة تمثل الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب، وإعادة بناء الدولة على أسس سلمية ومستقرة.
زيارة البرهان
في سياق التحضيرات السياسية، جاءت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، إلى القاهرة يوم الأربعاء الماضي، لتسلط الضوء على أهمية المبادرة التي تقودها الآلية الرباعية، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات. اللقاء الذي جمع البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حمل إشارات واضحة إلى دعم إقليمي متزايد للمسار السياسي المقترح، حيث عبّر الزعيمان عن أملهما في أن يسفر اجتماع واشنطن عن نتائج ملموسة تساهم في إنهاء الأزمة السودانية. هذه الزيارة شكلت منعطفاً في الموقف الرسمي السوداني، إذ أعقبها تصريح لوزير الخارجية محيي الدين سالم، أكد فيه أن المبادرة الأميركية التي نجحت في وقف القتال في غزة خلقت مناخاً إيجابياً يمكن البناء عليه لتحقيق سلام مستدام في السودان، مشدداً على ضرورة الاستفادة من هذا الزخم الدولي لوقف الحرب.
موقف مدني
من جانبه، توقع بابكر فيصل، رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي وقيادي بارز في تحالف صمود الذي يتزعمه رئيس الوزراء المدني السابق عبد الله حمدوك، أن يخرج اجتماع الرباعية بخطة زمنية وآليات تنفيذ واضحة للهدنة الإنسانية. وأشار فيصل إلى أن الطرفين المتحاربين قد منحا الضوء الأخضر للمضي في تطبيق خريطة الطريق التي اقترحتها الآلية الرباعية، مؤكداً أن هناك تحولاً ملحوظاً في الرأي العام السوداني لصالح معسكر وقف الحرب الذي يقوده تحالف صمود. لكنه في الوقت ذاته حذر من أن أي صفقة ثنائية لتقاسم السلطة بين الجيش والدعم السريع لن تكون كافية لإنهاء النزاع بشكل دائم، ولن تحقق السلام المستدام. وشدد على أن نجاح المبادرة الدولية مرهون بعملية سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة، مؤكداً رفضه القاطع لمشاركة الإسلاميين في أي حوار مقبل، في ظل استمرار نفوذهم داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
تحركات دولية
ضمن إطار التحركات الدولية الرامية إلى حل النزاع، شهدت العاصمة الإيطالية روما لقاءً رسمياً جمع نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ورئيس جمهورية تشاد محمد إدريس ديبي، والمستشار الخاص للرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا مسعد بولس. ويأتي هذا اللقاء في سياق جهود دبلوماسية متواصلة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المتحاربة. وكان بولس قد صرح في مناسبات عدة بأن الجيش وقوات الدعم السريع باتا أقرب من أي وقت مضى إلى الدخول في محادثات مباشرة، مشيراً إلى أن واشنطن تجري اتصالات مستمرة مع الطرفين بهدف التوصل إلى مبادئ تفاوضية مشتركة. ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لصحيفة الشرق الأوسط، فإن هذه الاتصالات تناولت مجمل التطورات الميدانية والسياسية في السودان، بما في ذلك الخطوات التمهيدية للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
انفتاح نسبي
في تطور لافت، أبدت الحكومة الموازية التي ترعاها قوات الدعم السريع استعدادها للتفاعل مع مبادرة الرباعية، في خطوة تشير إلى انفتاح نسبي على المسار السياسي الدولي. وبالتوازي مع التحركات الأميركية، نشطت شخصيات سودانية في التواصل مع الدائرة المقربة من البرهان، في محاولة لدفعه نحو التعاطي الإيجابي مع جهود الرباعية، وإعادة إحياء منبر جدة كمظلة تفاوضية مع قوات الدعم السريع. ويأتي هذا التحول بعد أكثر من عامين من تمسك البرهان بموقف رافض للتفاوض، ومراهنة على الحسم العسكري، وهو خيار يرى كثيرون أنه لم يحقق أهدافه، ولا تبدو له مؤشرات نجاح في الأفق القريب.
دعم متزايد
المبادرة التي طرحتها الآلية الرباعية لم تعد محصورة في نطاق الدول الأربع، بحسب المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر وفق جريدة الشرق الاوسط، الذي وصفها بأنها أشبه بكرة الثلج التي تزداد زخماً كلما تدحرجت، مستقطبة دعماً متنامياً من أطراف إقليمية ودولية. وأشار خاطر إلى أن المبادرة حظيت بتأييد من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، وهيئة إيغاد، إلى جانب غالبية الدول المحيطة بالسودان في العالم العربي والأفريقي. ويرى أن هذه المواقف المساندة تشكل عوامل حاسمة في تعزيز فرص نجاح المبادرة الدولية، ووقف الحرب التي أرهقت البلاد. وأوضح أن الوصول إلى حل سياسي يتطلب إدارة حوار سوداني – سوداني مسؤول، يتجاوز الأزمة الحالية ويعالج جذور النزاع التاريخي، مؤكداً أن كل المؤشرات تدل على أن العودة إلى منبر جدة لمناقشة الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار باتت مسألة وقت، تسبقها ترتيبات فنية لتحديد آليات التفاوض بين الطرفين.
دور إقليمي
في ظل تعقيدات المشهد السوداني، يبرز الدور المحوري لثلاث دول إقليمية هي السعودية ومصر والإمارات، التي ترتبط بعلاقات استراتيجية وثيقة مع الولايات المتحدة، وتشكل معاً العمود الفقري للآلية الرباعية. ويُنظر إلى هذا التحالف الإقليمي – الدولي على أنه عامل مشجع للأطراف السودانية للانخراط في عملية سلمية، تهدف أولاً إلى حماية المدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ثم الانتقال إلى ترتيبات سياسية توافقية تناقش قضايا المرحلة الانتقالية. وكانت الآلية الرباعية قد أصدرت بياناً الشهر الماضي، نص على قبول هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تتطور لاحقاً إلى وقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً لعملية انتقال سياسي شاملة وشفافة تستغرق تسعة أشهر، وتنتهي بتشكيل حكومة مدنية لا تخضع لسيطرة أي طرف مسلح، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء الدولة السودانية على أسس ديمقراطية ومستقرة.