
مفاوضات القاهرة
وبحسب التقرير، تسعى واشنطن إلى جمع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، مع رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، الذي يتزعم تحالف “صمود” المدني، في إطار مفاوضات مباشرة تهدف إلى كسر الجمود السياسي. كما تجري اتصالات غير معلنة بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بهدف صياغة بيان مبادئ أولي يمهد الطريق نحو اتفاق شامل. هذه التحركات تعكس رغبة أمريكية في إعادة ضبط المشهد السوداني، عبر أدوات سياسية واقتصادية متداخلة، وسط تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء النزاع.
مصالح اقتصادية
بالتوازي مع المسار السياسي، تستعد بعثة أمريكية تضم ممثلين عن شركات تعدين خاصة لزيارة مدينة بورتسودان، حيث من المقرر أن تلتقي برئيس الوزراء السوداني كامل إدريس ووزير المعادن نور الدين طه. الهدف من هذه الزيارة هو التفاوض على اتفاق يمنح الشركات الأمريكية امتيازات واسعة في السوق السودانية، مقابل دعم واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على قطاع التعدين وقادة الجيش. هذه الخطوة تعكس البعد الاقتصادي للمبادرة الأمريكية، التي تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية في قطاع الموارد الطبيعية، بالتوازي مع جهودها السياسية لاحتواء الأزمة.
تنسيق رباعي
التقرير أشار إلى أن الرباعية الدولية المعنية بالملف السوداني، والتي تضم الولايات المتحدة، الإمارات، مصر، والسعودية، تواصل تنسيقها مع الأطراف السودانية الفاعلة، في محاولة لتوحيد الجهود نحو تسوية سياسية. القاهرة، التي تسعى إلى استعادة دورها الدبلوماسي في المنطقة، تستضيف هذه الجولة بعد أن كانت الرياض والدوحة قد احتضنتا جولات تفاوض سابقة. هذا التحول يعكس رغبة مصرية في إعادة التموضع الإقليمي، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف أطراف النزاع، ومن دعم واشنطن للمبادرة الجديدة.
تطمينات البرهان
في إطار التحركات الدبلوماسية، يسعى الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى طمأنة الإدارة الأمريكية بشأن توجهات الجيش السوداني، في ظل مخاوف متزايدة من ارتباطه بإيران وحركة حماس. التقرير أشار إلى أن البرهان ذكّر واشنطن بالتزام السودان باتفاقات أبراهام التي تم توقيعها عام 2021، والتي تضمنت خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. هذه الإشارة تهدف إلى تعزيز الثقة بين الطرفين، وتأكيد التزام القيادة العسكرية السودانية بالمسار السياسي المدعوم دوليًا، رغم تعقيدات المشهد الداخلي.
عقبة إدريس
ورغم هذه التحركات، أشار التقرير إلى أن مواقف رئيس الوزراء كامل إدريس قد تشكل تحديًا أمام نجاح المبادرة، إذ يراهن على حسم عسكري لصالح الجيش، ما يمنحه القدرة على طلب تمويل إماراتي لإعادة الإعمار، مقابل اتفاقات اقتصادية جديدة. هذا التوجه يعكس انقسامًا في الرؤية بين القوى المدنية والعسكرية، ويضع عراقيل أمام التوصل إلى تسوية شاملة، خاصة في ظل تباين المصالح الإقليمية وتعدد الأطراف المتدخلة في الملف السوداني.
فرص محدودة
في ختام التقرير، خلصت Africa Intelligence إلى أن فرص نجاح مبادرة القاهرة لا تزال محدودة، بفعل انعدام الثقة بين القوى المدنية والعسكرية، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في السودان. التسوية السياسية المرتقبة تبقى رهينة بمدى استعداد واشنطن لاستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي بشكل حاسم، لإنهاء الصراع الذي بات يهدد استقرار البلاد والمنطقة بأكملها. وفي ظل هذه المعطيات، تترقب الأوساط الدولية نتائج الجولة المقبلة من المفاوضات، وسط آمال حذرة بإمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي يعيد السودان إلى مسار السلام.