
في خطوة وصفت بأنها تحمل دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، أصدرت السلطات المصرية قرارًا رسميًا يقضي بتخفيض رسوم تصاريح العمل للسودانيين المقيمين داخل الأراضي المصرية، في إجراء اعتبره مراقبون تحولًا نوعيًا في سياسات دعم العمالة الوافدة من الدول الشقيقة، لا سيما في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها السودان والمنطقة. القرار جاء عقب لقاء رسمي جمع وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية السوداني، معتصم أحمد صالح، بنظيره المصري محمد جبران، رئيس مجلس إدارة منظمة العمل العربية، وذلك على هامش أعمال الدورة الثالثة بعد المئة لمجلس إدارة المنظمة، التي انعقدت في العاصمة المصرية القاهرة يومي الحادي عشر والثاني عشر من أكتوبر الجاري.
وبموجب القرار الجديد، تم تحديد رسوم تصاريح العمل للسودانيين المقيمين في مصر عند ثلاثة آلاف جنيه مصري، فيما خُفضت رسوم العمالة المنزلية إلى ألفين وخمسمئة جنيه مصري فقط. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تسهيل إداري وتشريعي من شأنه تحسين ظروف العمل والتنقل القانوني لآلاف السودانيين، الذين يعيشون في مصر ويواجهون تحديات متزايدة في ظل النزوح وتراجع فرص العمل داخل السودان. القرار يعكس توجهًا مصريًا نحو تعزيز العلاقات الثنائية وتقديم دعم ملموس للجالية السودانية، بما يتماشى مع التزامات القاهرة تجاه الدول العربية المتأثرة بالأزمات.
وفي سياق متصل، أكد الوزير المصري محمد جبران أن وزارة العمل المصرية تعتزم تنفيذ سلسلة من الدورات التدريبية المشتركة مع الجانب السوداني، تشمل مجالات السلامة المهنية، والتفتيش العمالي، وإعادة تأهيل المراكز التدريبية التي تضررت بفعل الحرب. ومن المقرر أن تُعقد هذه الدورات في كل من القاهرة والسودان، ضمن خطة دعم فني موسعة تهدف إلى بناء القدرات وتعزيز جاهزية الكوادر السودانية لسوق العمل، في إطار تعاون مؤسسي يتجاوز الطابع التقليدي ويستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة.
كما أشار جبران إلى أن مصر حريصة على تفعيل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الوزارتين، بما يعزز التعاون الفني ويدعم سوق العمل المشترك بين البلدين. وأوضح أن التحولات الإقليمية المتسارعة تتطلب مزيدًا من التنسيق والتكامل بين الدول العربية، خاصة في مجالات التشغيل والتدريب الفني، لضمان استجابة فعالة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المنطقة. هذا التوجه يعكس إدراكًا مصريًا لأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسات العمالية في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
من جانبه، عبّر الوزير السوداني معتصم أحمد صالح عن ارتياحه الكامل حيال الموقف المصري، واصفًا القرار بأنه يعكس روح الأخوة والاحترام المتبادل بين الشعبين، ويؤكد على عمق العلاقات التاريخية بين الخرطوم والقاهرة. كما دعا إلى توسيع نطاق التعاون الفني والعمالي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالحرب والنزوح داخل السودان، والتي أثرت بشكل مباشر على فرص العمل والاستقرار المهني للعديد من المواطنين السودانيين. الوزير السوداني شدد على أهمية الدعم الفني والتدريبي في إعادة بناء القدرات الوطنية، وتعزيز فرص التشغيل في الداخل والخارج.
القرار المصري يحمل أبعادًا متعددة، إذ يُتوقع أن يسهم في تخفيف الضغط على الجالية السودانية المقيمة في مصر، وتحسين أوضاعها القانونية والمعيشية، فضلًا عن تعزيز علاقات التعاون بين القاهرة والخرطوم في وقت تشهد فيه المنطقة تقلبات سياسية واقتصادية تستدعي مزيدًا من التضامن بين الدول العربية. كما يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها نموذج للتفاعل الإيجابي مع الأزمات الإقليمية، من خلال تبني سياسات عملية تدعم الفئات المتأثرة وتوفر بيئة عمل آمنة ومستقرة.