
في مقال تحليلي نشره الصحفي السوداني عثمان ميرغني، تناول فيه سؤالاً ورد إليه عبر منصات التواصل الاجتماعي حول الشخصية التي يمكن أن تُرشح لإنقاذ السودان من أزماته المتراكمة. ميرغني استهل مقاله بالإشارة إلى ما كتبه سابقاً عن الدكتور محمد طاهر إيلا، مشيداً بأسلوبه الإداري الذي حقق نجاحات ملموسة في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة. لكنه عاد ليؤكد أن الإجابة على هذا السؤال، في ظل الواقع السياسي الراهن، باتت شبه مستحيلة، نظراً لانعدام الثقة في الأسماء المطروحة، سواء تلك التي تتصدر المشهد أو التي تعمل خلف الكواليس.
ميرغني أقر بصراحة أنه لا يحمل في ذهنه أي اسم يمكن أن يُقدَّم بثقة إلى الشعب السوداني كمنقذ محتمل، مشيراً إلى أن التجارب السابقة مع مختلف القيادات السياسية منذ الاستقلال لم تثمر عن نتائج تُرضي تطلعات المواطنين. وأوضح أن حالة الإحباط الشعبي بلغت مستوى غير مسبوق، حيث لم يعد السودانيون قادرين على انتظار وعود جديدة من شخصيات سبق أن خذلتهم، بل إن كل من تم اختباره في مواقع المسؤولية زاد من شعور اليأس الجماعي تجاه فكرة “المنقذ”.
النظام لا الفرد
رغم قتامة الصورة، رفض ميرغني الاستسلام لفكرة غياب الحل، مؤكداً أن السودان لا يحتاج إلى زعيم فرد، بل إلى نظام إداري متكامل قادر على قيادة الدولة بكفاءة. وأوضح أن المقصود ليس النظام السياسي التقليدي، بل منظومة تشغيل ذكية – “سيستم” – تخضع لإرادة الشعب وتستجيب لآلامه وتطلعاته، وتعمل على بناء واقع أفضل ومستقبل يستحقه السودانيون. هذا التحول، بحسب ميرغني، لا يتطلب تغيير الأشخاص بقدر ما يتطلب تغيير طريقة إدارة الدولة نفسها.
لتوضيح رؤيته، استخدم ميرغني استعارة وصف فيها السودان بسيارة قديمة كثيرة الأعطال، بالكاد تستطيع السير، وترتكب مخالفات وحوادث بسبب ضعف التحكم ورداءة الطرق. وأشار إلى أن التحكم بهذه السيارة ظل في يد السائق، سواء كان فرداً أو حزباً أو مجموعة صغيرة، وأن المشكلة لا تكمن في السيارة أو السائق، بل في طريقة القيادة نفسها. واعتبر أن تغيير هذه الطريقة هو المدخل الحقيقي للإصلاح، وليس استبدال السائق أو المركبة.
التحول الرقمي
في توسعة لفكرته، شبّه ميرغني النظام المطلوب بـ”سوفت وير” يحوّل السيارة إلى طائرة مزودة بأجهزة ملاحة متقدمة، حيث يصبح الطيار – مهما كانت خبرته – محكوماً بمنظومة تشغيل دقيقة تحدد المسار والسرعة والحمولة والضوابط الفنية. وأكد أن هذه المنظومة تجعل القيادة خاضعة لقواعد صارمة، بحيث لا يؤثر اسم الطيار أو خلفيته على سلامة الرحلة، طالما أن “السيستم” هو الذي يتحكم في كل التفاصيل. وبهذا النموذج، يصبح المواطن غير معني بمن يتولى القيادة، بل بكفاءة النظام الذي يدير الدولة.
في ختام مقاله، شدد ميرغني على أن بناء هذا “السوفت وير” للدولة هو من صميم مهام المجلس التشريعي، الذي يجب أن يسن تشريعات تعيد هندسة المستوى القيادي الأول للدولة. وأوضح أن هذه التشريعات يجب أن تستند إلى رؤى تضمن توازن السلطات – Checks and Balances – وتربط كل قرار بمبدأ المسؤولية، بحيث يُحاسب كل من يتخذ قراراً على نتائجه. واعتبر أن هذا النموذج هو السبيل الوحيد لإنقاذ السودان من أزماته، بعيداً عن الرهان على الأفراد، وبالاعتماد على نظام مؤسسي ذكي يخدم الشعب ويصون الدولة.