
في مقال فكري بعنوان “الحل الإسلامي”، حذّر العميد الصوارمي خالد سعد، الناطق الرسمي السابق باسم الجيش السوداني، من تفاقم الانقسامات داخل التيارات الإسلامية، مشيراً إلى أن المسلمين حول العالم، وفي السودان تحديداً، باتوا يعانون من تشتت تنظيمي وفكري عميق، أفقدهم القدرة على التوحد أو الثقة المتبادلة. ودعا إلى معالجة عاجلة لإعادة بناء النسيج الإسلامي، عبر رؤية جامعة تتجاوز الولاءات الحركية والطائفية، وتعيد الاعتبار لجوهر الدين في صورته العالمية.
أزمة القيادة
الصوارمي أشار إلى أن أحد أبرز أسباب التراجع يتمثل في هيمنة القيادات التقليدية على المؤسسات الدينية والحركية، وهي قيادات تفتقر إلى التجديد وتصر على احتكار القرار، سواء عبر السيطرة الإدارية أو من خلال فرض فقه محدد لا يواكب التحولات. واعتبر أن هذه السيطرة تخلق بيئة مغلقة تمنع ظهور قيادات جديدة، وتُبقي الخطاب الإسلامي أسير مفاهيم غير قابلة للتطوير، ما يفاقم من حالة الانقسام الداخلي ويُضعف قدرة المسلمين على التأثير في محيطهم.
تعددية متطرفة
تناول المقال ظاهرة تكاثر الحركات الإسلامية المسلحة والسياسية، التي وصفها بأنها تحمل أفكاراً متطرفة أو منغلقة، وتبتعد أحياناً عن روح الدين. ورغم أن بعض هذه الحركات تنطلق من مفاهيم صحيحة، إلا أن كثرتها تعكس حالة من التمزق داخل الجسم الإسلامي، وتضعف من قدرته على تقديم نموذج موحد يعكس سماحة الإسلام ووسطيته. وأكد الصوارمي أن هذه التعددية غير المنضبطة تساهم في تشويه صورة الإسلام وتغذي الانقسامات الداخلية.
الإسلام في مرمى الإعلام
انتقد الصوارمي الطريقة التي يُنظر بها إلى الإسلام في العالم المعاصر، مشيراً إلى أن الإعلام الغربي يساهم في ترسيخ صورة مشوهة للدين، بسبب الجهل بمضامينه الحقيقية وعدم قراءة القرآن أو فهم فقه الدعوة. وأوضح أن الإسلام أصبح غريباً حتى على بعض أبنائه، الذين يجهلون أسس الدعوة السليمة، ما يجعل من الضروري إعادة تعريف الإسلام للعالم من خلال خطاب عقلاني ومسالم، يركز على الرحمة والحكمة بدلاً من التحريض والتكفير.
الدعوة بالحسنى
أكد الصوارمي أن الإسلام في جوهره دين يدعو إلى التعقل والرحمة، وأن واجب الداعية هو السعي إلى هداية الناس لا تكفيرهم، وإصلاحهم لا إدانتهم. وشدد على أن المجاهدة يجب أن تكون بالتي هي أحسن، وأن الخطاب الإسلامي يجب أن يتجنب الألفاظ المسيئة والتوصيفات القاسية، لأن الدعوة تقوم على الحب والإشفاق على المدعو، لا على العداء له. واعتبر أن هذا النهج هو السبيل الحقيقي لإصلاح المجتمعات وتحقيق التقوى.
تمثيل مشوه
انتقد الصوارمي الجماعات الدينية والسياسية المتطرفة، سواء المسلحة أو غير المسلحة، التي تعمل بشكل منفرد بعيداً عن هيئات علماء المسلمين، مؤكداً أنها لا تمثل الإسلام الصحيح. وأوضح أن هذه الحركات، رغم محدودية أجنداتها، استطاعت أن تطفو على السطح بفضل دعم إعلامي ومساندة من بعض الأنظمة، ما أدى إلى انخداع كثير من الشعوب بها. ودعا إلى ضرورة أن تتصدى الهيئات الرسمية والعلمائية لهذه الظاهرة، وتعيد تصحيح الصورة العامة للإسلام.
شعارات الحرب
أبدى الصوارمي اعتراضه على استخدام بعض الشعارات التي تُسيء إلى الإسلام، مثل “أمريكا روسيا قد دنا عذابها”، معتبراً أن هذه العبارات تُحول الدين إلى أداة تهديد بدلاً من كونه رسالة رحمة. واستشهد بأرجوزة عبد الله بن رواحة في معركة الروم، موضحاً أن مثل هذه الشعارات لا مكان لها خارج سياق الحرب، وأن واجب المسلمين تجاه غيرهم هو الدعوة بالحسنى والمجادلة العقلانية، لا التحريض أو التهديد.
الجهاد والدعوة
أوضح الصوارمي أن الجهاد لا يُختزل في القتال، بل يشمل الدعوة السلمية بكل أشكالها، من التعليم والتواصل الاجتماعي إلى التجارة والعمل السياسي والإعلامي. وأكد أن القتال لم يُشرع لنشر الدعوة، بل لإزالة المعوقات أمامها، وأن الجهاد هو أحد الوسائل وليس السبيل الوحيد. ودعا إلى تفعيل كل أدوات الدعوة المتاحة، وتقديم الإسلام في صورته النيرة التي تعكس سماحته وإنسانيته، بعيداً عن العنف والانغلاق.
قيادة متعددة
شدد الصوارمي على أن قيادة الدولة لا يجب أن تقتصر على رجال الدين، بل يجب أن تشمل علماء من مختلف التخصصات، من الاقتصاد والسياسة إلى الطب والهندسة والإعلام. وأوضح أن هيئة العلماء التي يُفترض أن تقود المجتمعات يجب أن تضم كل الخبرات العلمية، وأن إقصاء المتخصصين غير الدينيين يُضعف من قدرة هذه الهيئات على تقديم حلول متكاملة للمشكلات الوطنية والإقليمية.
حوار الأديان
دعا الصوارمي إلى استئناف الحوار الإسلامي اليهودي المسيحي على أساس قوله تعالى: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”، مشيراً إلى أن هذا الحوار يجب أن تقوده هيئات علمائية متعددة التخصصات. وانتقد استمرار الصراعات العربية والإسلامية دون تدخل فعّال من العلماء، معتبراً أن الصمت تجاه هذه الأزمات يُعد تقصيراً في واجب الإصلاح، وأن الإسلام يملك حلولاً عملية يجب تفعيلها.
واقعية إسرائيل
أقر الصوارمي بأن إسرائيل تمثل قوة إقليمية مؤثرة في الشرق الأوسط، ليس فقط بذاتها، بل بدعم الولايات المتحدة وعلاقاتها الدبلوماسية الواسعة. ودعا إلى الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل على معالجتها بواقعية سياسية، بدلاً من الإنكار أو الخطاب العاطفي، مؤكداً أن تجاهل هذه المعطيات يزيد من تعقيد الصراع ويُضعف الموقف الإسلامي.
الإسلام الواحد
أعلن الصوارمي أنه يعمل من خلال كتابه الجديد “الإسلام الواحد” على تصحيح مسار المسلمين وتجميعهم حول رؤية موحدة للإسلام الصحيح. وأوضح أن هذه الرؤية تقوم على فقه دعوة سليم، ينبذ المذاهب والتحزب الديني، ويعتمد على الانتماء العام للإسلام من خلال عبارة “أنا مسلم” فقط. وأكد أن هذا الانتماء يتجاوز كل الطوائف والحركات، ويُعيد الاعتبار لوحدة الأمة الإسلامية كما أمر الله تعالى.
وحدة الصف
اختتم الصوارمي مقاله بالتأكيد على أن هدفه الأسمى هو جمع الصف الإسلامي على أساس العموميات، وتجاوز الجزئيات التي كانت سبباً في الانقسام والضعف. ودعا إلى تطبيق فقه “جمع صف المسلمين في العادات أولى من تفرقهم في العبادات”، مشيراً إلى أن الحل الإسلامي يكمن في إبراز الوجه الرحبي للإسلام، وتعزيز دوره في رعاية السلام العالمي، ونبذ الفرقة والشتات، باعتباره ديناً يوحّد ولا يُفرّق، ويصلح ولا يُفسد.