
في العاصمة المصرية القاهرة، أُعلن يوم الإثنين السادس من أكتوبر 2025 عن وفاة رئيس الوزراء السوداني الأسبق والقيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني “المحلول”، محمد طاهر إيلا، بعد صراع مع المرض. إيلا، الذي ظل بعيدًا عن الأضواء منذ مغادرته السودان، فارق الحياة في المدينة التي احتضنته خلال سنواته الأخيرة، تاركًا خلفه إرثًا سياسيًا مثيرًا للجدل، ومسيرة امتدت من ولاية البحر الأحمر إلى رئاسة مجلس الوزراء في واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ السودان الحديث.
تدفقت رسائل النعي والتأبين عبر منصات التواصل الاجتماعي منذ صباح الإثنين، حيث عبّر عدد كبير من السودانيين عن صدمتهم برحيل إيلا المفاجئ. الحسابات الشخصية والسياسية تداولت خبر وفاته بكثافة، مشيرة إلى أن وفاته جاءت في القاهرة، المدينة التي اختارها مقرًا لإقامته بعد مغادرته السودان. وكان إيلا قد عاد إلى الخرطوم في عام 2022 للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، في زيارة حظيت باهتمام واسع داخل الأوساط السياسية، خاصة أنها جاءت بعد انقلاب عسكري أطاح بالحكومة الانتقالية التي خلفت الثورة الشعبية.
عودة إيلا إلى السودان في 2022 شكّلت لحظة فارقة بالنسبة لقيادات حزب المؤتمر الوطني، الذين وجدوا فيها متنفسًا سياسيًا بعد سنوات من التراجع. تلك العودة تزامنت مع مرحلة انتقالية مضطربة، شهدت انقلابًا عسكريًا قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ما أعاد خلط الأوراق داخل المشهد السياسي السوداني. إيلا، الذي ظل بعيدًا عن المشهد منذ سقوط البشير، عاد في تلك الفترة ليجد حزبه السابق يحاول استعادة توازنه وسط انقسامات داخلية وصراع على النفوذ.
داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني، كان محمد طاهر إيلا يُعرف بلقب “رجل المهام الصعبة”، وهو توصيف يعكس دوره في إدارة ملفات معقدة بين الخرطوم وبورتسودان. تولى إيلا منصب والي ولاية البحر الأحمر، حيث نفذ مشاريع تنموية واسعة، قبل أن يُطلب منه تولي رئاسة مجلس الوزراء في عام 2018 خلفًا لمعتز موسى، في محاولة من نظام البشير لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور آنذاك. تلك المرحلة كانت تشهد انهيارًا متسارعًا في قيمة العملة الوطنية، واضطرابات شعبية متزايدة، ما جعل من تعيين إيلا خطوة إنقاذية في نظر القيادة السياسية.
يحظى إيلا بشعبية ملحوظة في شرق السودان، خاصة بين سكان ولاية البحر الأحمر، الذين يرون فيه شخصية سياسية ذات تأثير مباشر على حياتهم اليومية. مواقفه المستقلة داخل الحزب، والتي كانت أحيانًا مناوئة للقيادة المركزية، أكسبته احترامًا خاصًا في تلك الأوساط. مجموعات محلية تحتفظ له بذكريات إيجابية تتعلق بمشاريع التنمية والبنية التحتية، ويُنظر إليه كأحد القلائل الذين حاولوا تحسين واقع المدن الساحلية في السودان، رغم القيود السياسية والاقتصادية التي كانت تحيط بعمله.
منذ توليه منصب والي البحر الأحمر، ثم رئاسة مجلس الوزراء، اتسم أسلوب إيلا بالابتعاد عن الأضواء الإعلامية، مفضّلًا العمل الميداني على التصريحات السياسية. لم يكن من المسؤولين الذين يسعون للظهور الإعلامي، بل اعتمد على نهج إداري قائم على الإنجاز العملي. هذا الأسلوب جعله شخصية محورية في المشهد التنفيذي، رغم تحفظاته على بعض سياسات الحزب الذي ينتمي إليه. إيلا كان يفضل إدارة الملفات بعيدًا عن الضجيج، وهو ما جعله يحظى بتقدير خاص لدى فئات واسعة من المواطنين.
خلال فترة توليه ولاية البحر الأحمر، يشير سكان بورتسودان إلى أن المدينة شهدت تحولات ملموسة في البنية التحتية والخدمات. من رصف الطرق إلى تشغيل دوريات النظافة، وصولًا إلى تطوير الكورنيش البحري، ساهمت تلك المشاريع في جعل المدينة أكثر جذبًا للسياحة والاستثمار المحلي. هذه الإنجازات عززت من مكانة إيلا في شرق السودان، وكرّست صورته كمسؤول تنفيذي يركز على تحسين الواقع المعيشي، بعيدًا عن الصراعات السياسية التي كانت تهيمن على العاصمة الخرطوم.
رغم إنجازاته التنموية، اعتمد إيلا في صعوده السياسي على تحالفات قبلية وجهوية، وهو نهج كان شائعًا في عهد الرئيس السابق عمر البشير. استقطاب زعماء القبائل كان وسيلة لضمان الاستقرار في المناطق الطرفية، ومنع انفلات الأوضاع الأمنية. إيلا استفاد من هذه الديناميكيات للوصول إلى مواقع قيادية داخل الحزب، مستندًا إلى قاعدة اجتماعية واسعة في شرق البلاد، ما جعله لاعبًا مؤثرًا في التوازنات الداخلية لحزب المؤتمر الوطني قبل حله.
يُقارن إيلا في بعض الأوساط السياسية بمدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق صلاح قوش، من حيث أسلوب التعامل مع السلطة. كلاهما كان يفضل تنفيذ الإجراءات على الأرض قبل صياغتها على الورق، في نهج يُوصف بأنه عملي ومباشر. هذا الأسلوب جعل إيلا شخصية تنفيذية أكثر منها سياسية، حيث كان يركز على النتائج الملموسة بدلًا من الخطابات العامة، وهو ما أكسبه احترامًا في بعض الدوائر، وانتقادات في أخرى.
جاءت وفاة محمد طاهر إيلا في وقت يشهد فيه حزب المؤتمر الوطني السابق حالة من الانقسام الحاد، بين تيارات تتوزع بين بورتسودان وعطبرة، وأخرى في الخارج تنتظر حسم المشهد السياسي. رحيله يُعد خسارة لتيار كان يسعى إلى إعادة ترتيب صفوفه، وسط سباق داخلي على النفوذ والتمثيل. وبينما يودعه أنصاره، يبقى إرثه السياسي محل جدل، في بلد لا يزال يبحث عن استقرار مفقود منذ سنوات.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا