
أزمة منسية
في جلسة حملت عنوان “السودان: الأزمة الكبرى المنسية”، والتي أُقيمت يوم الجمعة الثالث من أكتوبر، اجتمع عدد من المختصين لتسليط الضوء على واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية تعقيدًا في العالم المعاصر. الصحافية إيرين بانوزو، المعروفة بتغطيتها للنزاعات الأفريقية، تحدثت إلى جانب فيتوريو أوبيزي، رئيس برامج منظمة أطباء بلا حدود في السودان، فيما أدارت الجلسة الصحافية فرانشيسكا سيباني. النقاشات كشفت عن أرقام صادمة: 150 ألف حالة وفاة مباشرة، ونحو 500 ألف وفاة غير مباشرة، و12 مليون نازح، بالإضافة إلى 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ورغم ضخامة هذه الأرقام، شددت بانوزو على أنها لا تعكس سوى جزء ضئيل من حجم المأساة، مؤكدة أن المعاناة الحقيقية تتجلى في وجوه النساء والأطفال، وفي المخيمات التي تحولت إلى تجمعات طينية، وفي شهادات ضحايا الانتهاكات التي تُرتكب بصمت.
معاناة المدنيين
في مداخلته، أشار فيتوريو أوبيزي إلى أن المدنيين هم من يتحملون العبء الأكبر في هذه الحرب، موضحًا أن خمس مناطق سودانية تواجه خطر المجاعة، بينما تعمل المستشفيات الحدودية في مدينة أدري التشادية فوق طاقتها الاستيعابية، في محاولة لإنقاذ الأرواح وسط انهيار شبه كامل في البنية الصحية. هذه التصريحات جاءت لتؤكد أن الأزمة السودانية لم تعد مجرد صراع سياسي، بل تحولت إلى كارثة إنسانية شاملة تهدد حياة الملايين، في ظل غياب شبه تام للتغطية الإعلامية الدولية.
توثيق بصري
المخرجة فرانشيسكا مانوتشي قدمت خلال الجلسة مقتطفات من فيلمها الوثائقي الجديد، الذي يتناول شهادات الناجين من الحرب في السودان. وأكدت أن التوثيق في هذا السياق لا يُعد مجرد تسجيل للأحداث، بل هو فعل مقاومة ضد النسيان، ومحاولة لإعادة الاعتبار لأصوات تم تهميشها في خضم الصراع. الفيلم يسعى إلى تقديم سرد إنساني يعكس عمق الألم الذي يعيشه السودانيون، ويعيد تسليط الضوء على قصصهم بعيدًا عن الأرقام المجردة والتقارير الرسمية.
اختيار واعٍ
مديرة المهرجان كيارا نيلسن أوضحت أن تخصيص ندوة عن السودان لم يكن قرارًا عابرًا، بل جاء ضمن توجه المهرجان للبحث عن القصص التي لا تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي. وقالت نيلسن إن العالم اليوم غارق في ضجيج الأخبار، لكن السودان يذكّرنا بأن الصمت قد يكون أكثر قسوة من الحرب نفسها. وأضافت أن الدورة التاسعة عشرة من المهرجان جاءت تحت شعار “السلام في المركز”، مستلهمة رمزية زهرة في بندقية، وهو شعار يعود إلى ستينيات القرن الماضي، ويعكس دعوة لإعادة النظام إلى عالم يزداد اضطرابًا.
دعوة للصحافة
في ختام الجلسة، وجّه المشاركون نداءً إلى وسائل الإعلام الدولية، مطالبين بكسر حاجز الصمت المفروض على السودان، ومؤكدين أن تجاهل المأساة المستمرة في هذا البلد يُعد شكلًا من أشكال التواطؤ مع المعاناة. الدعوة جاءت لتذكير المؤسسات الصحافية بأن مسؤوليتها لا تقتصر على تغطية الأحداث البارزة، بل تشمل أيضًا تسليط الضوء على الأزمات المنسية التي تستحق أن تُروى، وأن تُسمع، وأن تُوثق.