
مقاطع مصورة لغمر أراضي طرح النهر في مصر أثارت جدلًا واسعًا، وسط تحذيرات من موجة فيضانات قادمة بفعل تصريفات سد النهضة والسد العالي، وتأكيدات حكومية بأن المناطق المتضررة تقع ضمن حرم النيل وغير مخصصة للسكن أو الزراعة.
غمر مفاجئ
في الساعات الأخيرة، تداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي في مصر مقاطع فيديو تظهر ارتفاع منسوب المياه بشكل غير مسبوق في أراضي تُعرف باسم “طرح النهر”، الممتدة عبر محافظتي البحيرة والمنوفية. أحد المقاطع وثّق لحظة خروج مواطن من منزله وقد وصلت المياه إلى مستوى صدره، ما أثار حالة من القلق الشعبي والجدل الإعلامي. هذه المشاهد دفعت الحكومة المصرية إلى إصدار بيان رسمي أوضحت فيه أن تلك الأراضي تقع ضمن حرم نهر النيل، وهي غير مخصصة قانونًا للسكن أو الزراعة، مشيرة إلى أن من أقاموا عليها مساكن أو استخدموها للزراعة يُعدّون مخالفين للقانون، ما يضع المسؤولية على من استغلوا تلك المناطق رغم التحذيرات السابقة.
تحذيرات الخبراء
الجدل لم يتوقف عند حدود المقاطع المصورة، بل تصاعد مع تصريحات عدد من الخبراء في مجال الموارد المائية، الذين حذروا من احتمال غمر المزيد من الأراضي الواقعة على جانبي النيل في مناطق مختلفة من البلاد. وأوضح الدكتور إبراهيم دعبس، الأستاذ المساعد بجامعة المنصورة والمتخصص في الموارد المائية، أن وزارة الري كانت قد اتخذت إجراءات استباقية، منها مخاطبة المحافظين في 7 سبتمبر لتنبيه المواطنين إلى ضرورة حماية ممتلكاتهم وزراعتهم في أراضي طرح النهر، رغم كونها تعديات مخالفة. وأشار إلى أن الخطأ يكمن في السماح باستخدام هذه الأراضي، التي تُعد جزءًا من السهل الفيضي للنهر، ومعرضة للغمر عند ارتفاع التصرفات المائية، وهو أمر معروف منذ عقود.
موجة قادمة
دعبس شدد على أن الفيضان الحقيقي لم يبدأ بعد، موضحًا أن مياه النيل القادمة من إثيوبيا تستغرق نحو 17 يومًا للوصول إلى مصر، بينما تحتاج إلى 15 يومًا للوصول من الخرطوم. وبما أن الفيضان بدأ في الخرطوم يوم 25 سبتمبر، فإن مصر لم تستقبل بعد الكميات الأكبر من المياه، ما يستدعي تفريغ مساحات إضافية لاستيعاب التدفقات القادمة. هذا التفسير يعزز ما تردد عن فتح الحكومة المصرية بوابات إضافية لتصريف المياه، في محاولة لتقليل الضغط على مجرى النهر.
تفاوت التأثير
من جانبه، كشف الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية، أن رئيس الوزراء المصري أعلن أن 15 محافظة ستتأثر بالفيضان، نظرًا لوجود مصبين رئيسيين للنهر: سد النهضة والسد العالي. وأعرب عن استغرابه من حجم الغمر الذي شهدته أراضي طرح النهر في مصر، مقارنة بالسودان، حيث لم تتجاوز المياه 20 سنتيمترًا في الحقول ولم تدخل المنازل. وأوضح أن فتح بوابات إضافية في سد النهضة أدى إلى ضخ 750 مليون متر مكعب بدلًا من 450 مليون، ما تسبب في اتساع رقعة الغمر. كما أشار إلى أن فتح بوابات السد العالي ساهم في تصريف المياه إلى القطاعات المختلفة، ما يهدد 144 جزيرة بالغرق، من بينها جزيرة الزمالك والوراق والدهب في الجيزة، وجزيرة فيلة السياحية بأسوان.
تداعيات ميدانية
المستشار السابق لوزير الري، محمد إبراهيم، أكد أن غمر أراضي طرح النهر تسبب في خسائر كبيرة، لكنه أشار إلى أن سكان الجزر يعرفون طبيعة ارتفاع المناسيب الموسمية. وأوضح أن نهر النيل لا يعتمد على مصرف واحد، وأن الاحتياجات اليومية من المياه تبلغ نحو 80 مليون متر مكعب، وهي أقل من الاحتياجات القصوى، نظرًا لانتهاء موسم زراعة الأرز والقطن والذرة. لكنه شدد على أن مصر دخلت بالفعل في حالة طوارئ بسبب الكميات الضخمة التي تم تصريفها من السد العالي، حيث يبلغ منسوب المياه عند خزان أسوان 80 مترًا، بينما يصل إلى الصفر عند البحر المتوسط، ما يخلق انحدارًا شديدًا يزيد من سرعة المياه ويؤدي إلى تآكل الضفاف وغمر المناطق المنخفضة.
مقارنة السدود
وفي ختام تصريحاته، قارن إبراهيم بين السد العالي وسد النهضة، مشيرًا إلى أن الأول يوفر الكهرباء والمياه للزراعة طوال العام، بينما يفتقر الثاني إلى إدارة فعالة للموارد. وأكد أن المقارنة لا تتعلق بالإمكانات المالية أو حجم المياه، بل ترتكز على التخطيط والتنسيق والإدارة، وهي عناصر تفتقدها إثيوبيا في تعاملها مع سد النهضة، منذ مرحلة البناء وحتى التخزين والتصريف، ما يزيد من تعقيد المشهد المائي في المنطقة.