
مانشستر سيتي يشهد تحولاً تكتيكياً جذرياً بقيادة غوارديولا، حيث بات الفريق يعتمد بشكل غير مسبوق على إيرلينغ هالاند، الذي يسجل بمعدلات تهديفية تاريخية تفوق حتى أرقام ميسي ورونالدو في ذروتهما.
فلسفة متغيرة
في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أعاد برشلونة بقيادة بيب غوارديولا تعريف كرة القدم الحديثة، عبر أسلوب لعب جماعي متكامل وصفه المدرب الإسباني حينها بأنه “كرة قدم يسارية”، في إشارة إلى أن كل لاعب يشارك في كل المهام داخل الملعب. كان الحارس يمرر بمهارة، والجناح يدافع كارتكاز، والمهاجم يفتح المساحات لزملائه، في منظومة تعتمد على الاستحواذ والتمريرات القصيرة. لكن هذه الفلسفة لم تعد سائدة في مانشستر سيتي، حيث تشير التحولات الأخيرة إلى أن الفريق بات يدور حول مهاجم واحد: إيرلينغ هالاند.
هيمنة هالاند
منذ انضمامه إلى مانشستر سيتي في صيف 2022، كان يُتوقع أن يتكيف هالاند مع أسلوب غوارديولا القائم على التمرير والاستحواذ. لكن الواقع اتخذ منحى مختلفاً، إذ أصبح الفريق يعتمد على النجم النرويجي بشكل غير مسبوق. وفقاً لتحليل نشره موقع ESPN، فإن مانشستر سيتي بات فريقاً يتمحور حول لاعب واحد بطريقة لم تُشاهد منذ عام 2010. سجل هالاند 11 هدفاً في أول 8 مباريات هذا الموسم في الدوري الإنجليزي ودوري الأبطال، ما يعكس أعلى مستوى تهديفي له منذ بداية مسيرته.
أرقام قياسية
في ست مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز، يسجل هالاند بمعدل 1.42 هدف لكل 90 دقيقة، وهو معدل يتفوق على متوسط أهداف ستة أندية كاملة في البطولة. حين حطم الرقم القياسي في موسم سابق، كان يسجل بمعدل 1.17 هدف لكل 90 دقيقة فقط. الأرقام الحالية تتجاوز حتى ما حققه مع بوروسيا دورتموند وسالزبورغ، حيث بلغ متوسطه مع الأخير 1.47 هدف، لكن في دوري أقل تنافسية. اللافت أن هالاند لم يسجل أي هدف من ركلات جزاء هذا الموسم، ما يجعل معدله أكثر تميزاً. باستثناء ميسي في موسم 2012–2013، لم يحقق أي لاعب معدل تهديفي أعلى دون ركلات جزاء.
سيطرة فردية
مانشستر سيتي سجل 11.41 هدفاً متوقعاً في أول 6 جولات، منها 65.5% لهالاند وحده، ما يعني أن ثلثي فرص التسجيل تذهب إليه. هذا الرقم يتجاوز أعلى نسبة سُجلت سابقاً للاعب واحد في الدوري الإنجليزي، والتي بلغت 45.4%. كما أن هالاند نفذ 37% من تسديدات الفريق، متجاوزاً الرقم القياسي السابق البالغ 32.3%. حتى مقارنة مع رونالدو وميسي، لم يحقق أي لاعب هذا المستوى من السيطرة على فرص التسجيل والتسديدات، باستثناء حالات نادرة مثل مويس كين مع فيورنتينا الموسم الماضي.
حدود النجاح
رغم الأرقام المذهلة، يطرح هذا النمط من الاعتماد الفردي تساؤلات حول قدرة الفريق على تحقيق البطولات. أعلى نسبة مساهمة فردية في فريق فاز بالدوري كانت 40.1% لأوسيمين مع نابولي، وفي دوري الأبطال كانت 39.9% لرونالدو مع ريال مدريد. أما فرق غوارديولا، فلم تتجاوز مساهمة ميسي أو ليفاندوفسكي نسبة 38%. هذا يثير الشكوك حول ما إذا كان مانشستر سيتي قادراً على الحفاظ على التوازن التكتيكي وتحقيق الألقاب في ظل هذا الاعتماد على هالاند.
أداء متصاعد
رغم التعادل الأخير أمام موناكو في دوري الأبطال، والذي أثار إحباط هالاند، فإن المهاجم النرويجي واصل انطلاقته التهديفية، مسجلاً 17 هدفاً في 10 مباريات مع النادي والمنتخب. المباراة الوحيدة التي فشل فيها بالتسجيل كانت أمام توتنهام في أغسطس الماضي. ومع استمرار هذا الزخم، يبدو أن مانشستر سيتي يعيش مرحلة جديدة من التحول التكتيكي، حيث باتت فلسفة غوارديولا تتكيف مع نجم لا يحتاج سوى 10 لمسات في المباراة ليصنع الفارق.