
في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على المؤسسة العسكرية السودانية، برزت تصريحات اللواء المتقاعد كمال إسماعيل لتشكل نقطة ارتكاز في الجدل الدائر حول علاقة الجيش بتنظيم الحركة الإسلامية، الذي يُعد امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين. إسماعيل، الذي خدم لسنوات طويلة داخل الجيش، أكد أن استمرار الحرب في السودان يخدم مصالح الإسلاميين وحدهم، مشيرًا إلى أن هذه الجماعة تاريخيًا اعتمدت على العنف والقمع كوسيلة لفرض أجندتها السياسية. وأضاف أن الحركة الإسلامية، منذ انقلاب 30 يونيو 1989، عملت على تفكيك القوات المسلحة وإعادة تشكيلها وفق معتقداتها، ما أدى إلى أدلجة مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بشكل شبه كامل.
اللواء إسماعيل شدد في تصريح مع جريدة الشرق الاوسط على أن المطالب التي طرحتها الآلية الرباعية الدولية، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، لم تعد مجرد توصيات دبلوماسية، بل تحولت إلى مطلب دولي وإقليمي وشعبي داخل السودان. وأوضح أن هذه المبادرة باتت تحظى بدعم واسع من الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، إلى جانب دول أخرى، جميعها تتفق على ضرورة وقف الحرب وإنقاذ الشعب السوداني من المأساة التي يعيشها. وأكد أن الجيش، أو أي قوة أخرى، لن يكون بمقدوره الوقوف في وجه هذا الإجماع الدولي، خاصة في ظل العقوبات التي بدأت واشنطن بفرضها على شخصيات وكيانات مرتبطة بالحركة الإسلامية، مثل وزير المالية جبريل إبراهيم وكتائب البراء بن مالك.
في تقييمه لمستقبل الحركة الإسلامية في السودان، قال اللواء إسماعيل إن تنظيم الإخوان المسلمين بات يدير الحرب بشكل مباشر، ويستفيد منها سياسيًا وعسكريًا، لكنه توقع أن هذه المرحلة ستكون الأخيرة في نفوذهم داخل الدولة. وأكد أن الجيش لا يزال يضم ضباطًا وطنيين قادرين على إعادة المؤسسة العسكرية إلى طبيعتها القومية، بعيدًا عن الأدلجة والانحياز السياسي. واعتبر أن نهاية الإخوان في السودان باتت مسألة وقت، وأن الرغبة الشعبية والدولية في إنهاء الحرب ستفرض واقعًا جديدًا يعيد بناء الدولة على أسس وطنية.
منذ انقلاب الرئيس السابق عمر البشير في يونيو 1989، بدأت الحركة الإسلامية السودانية في ترسيخ نفوذها داخل الجيش، رغم إنكار البشير في البداية لأي دور لها في استيلائه على السلطة. لاحقًا، عاد ليعترف بأن الحركة كانت جزءًا أصيلًا من الانقلاب، وهو ما أكدته تصريحات علنية من كبار القادة الإسلاميين خلال سنوات حكمهم. وبحسب إفادات متعددة، عمد الإسلاميون منذ الأشهر الأولى للانقلاب إلى إقصاء الضباط المستقلين واستبدالهم بعناصر موالية، ثم استيعابهم عبر الكليات العسكرية، ما أدى إلى تحول الجيش تدريجيًا إلى مؤسسة تابعة لمشروع الحركة الإسلامية، بدلًا من كونه مؤسسة وطنية جامعة.
لم يقتصر نفوذ الإسلاميين على الجيش، بل امتد ليشمل الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، حيث تم تفكيك مؤسسات الدولة القومية وإعادة بنائها وفق رؤية أيديولوجية ضيقة. هذا التحول البنيوي في الأجهزة الأمنية والعسكرية جعلها أدوات تنفيذ مباشر لسياسات الحركة الإسلامية، وهو ما انعكس لاحقًا في طبيعة الصراع السياسي والعسكري في البلاد. ومع سقوط نظام البشير في أبريل 2019 إثر حراك شعبي واسع، بدأت العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع تتخذ طابعًا عدائيًا، خاصة أن الأخيرة كانت إحدى الميليشيات التي أنشأها النظام السابق، قبل أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع الجيش في أبريل 2023.
رغم تأكيد قادة الجيش على عدم تنسيقهم مع أي حزب سياسي في الحرب الحالية، تشير تقارير متعددة إلى استعانة المؤسسة العسكرية بكتائب إسلامية، مثل كتيبة البراء بن مالك، للقتال إلى جانبها. هذا التحالف غير المعلن يعزز من فرضية أن الحرب باتت وسيلة لإعادة تمكين الإسلاميين في السلطة، خاصة بعد فقدانهم لها عقب سقوط البشير. سياسيون وعسكريون سابقون يرون أن الحركة الإسلامية تعتبر الحرب فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بواجهة جديدة، بعد التخلص من قوات الدعم السريع التي تمثل تهديدًا مباشرًا لنفوذهم.
بيان الآلية الرباعية الدولية الصادر في سبتمبر الماضي حمل لهجة حاسمة تجاه الحركة الإسلامية، مؤكدًا أن مستقبل السودان لا يمكن أن يُرسم وفق رغبات الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان المسلمين. هذا الموقف تزامن مع فرض عقوبات أمريكية على شخصيات وكيانات إسلامية، في رسالة واضحة بأن استمرار التحالف بين الجيش والإسلاميين سيؤدي إلى عزلة دولية، وعقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية. محللون يرون أن هذه الإجراءات تمثل بداية تحول في الموقف الدولي تجاه السودان، وأنها ستدفع الجيش إلى إعادة النظر في تحالفاته الداخلية، خاصة مع تصاعد المطالب الشعبية بإنهاء الحرب واستعادة الدولة من قبضة الجماعات المؤدلجة.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا