
رأت الدكتورة أماني الطويل، الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني ومديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أزمة التمويل باتت تلقي بظلال ثقيلة على الوضع الإنساني للسودانيين، لا سيما في مصر التي تستضيف ملايين منهم بمختلف فئاتهم الاجتماعية. وفي سياق مشاركتها بورشة عمل نظمتها منظمتان مصرية وسودانية، أفادت الطويل بأن اللاجئ السوداني يواجه ضغوطًا مركبة، لا تقتصر على الاحتياجات المعيشية، بل تمتد إلى صعوبات في التعبير عن الأزمة نفسها، نتيجة ضعف التكيف مع المجتمع المصري، وعدم الإلمام بالبيئة القانونية والاجتماعية المحيطة.
أوضحت الطويل أن أحد أبرز مظاهر الخلط في المشهد الإنساني يتمثل في عدم التمييز بين اللاجئ القانوني المسجل لدى مفوضية اللاجئين، وبين المقيم في مصر بتأشيرة سياحية تتطلب تصريح إقامة وتجديد دوري. ولفتت إلى أن هذا الخلط يتفاقم في ظل وجود أكثر من ثمانية أنواع من تأشيرات الدخول، تختلف في متطلباتها وشروطها، ما يزيد من تعقيد الوضع القانوني للوافدين. كما نبّهت إلى غياب الإدراك الكافي لطبيعة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، والتي تنعكس على المواطنين واللاجئين على حد سواء، معتبرة أن هذا الغياب يراكم مشاعر الاحتقان والغضب، ويستدعي تدخلًا عاجلًا. وأشارت إلى أن قانون اللجوء المصري، الذي أُعلن قبل أكثر من عام، كان من المفترض أن يساهم في تخفيف هذه الحالة، إلا أن تأخر صدور لائحته التنفيذية حال دون ذلك، ما جعل أوضاع اللاجئين تتجه نحو مزيد من التدهور.
استعرضت الطويل جانبًا من الجهود التي تبذلها منظمات سودانية ناشطة في مصر، مشيرة إلى أنها تمكنت من جمع تبرعات داخلية لتمويل احتياجات ملحّة في السودان، خاصة في مجالات الغذاء والدواء. وبيّنت أن هذه المبادرات نجحت في دعم عدد من التكايا، لا سيما في إقليم دارفور، معتبرة أن هذا النشاط الأهلي يعكس قدرة المجتمع السوداني في الخارج على لعب دور فاعل في مواجهة الأزمة، رغم محدودية الموارد. وأكدت أن هذه الجهود تبرز أهمية العمل المدني في سد الفجوات التي تعجز المؤسسات الرسمية والدولية عن تغطيتها.
وفي سياق تحليلها لتطورات الأزمة، شددت الطويل على أن إقرار هدنة إنسانية بات ضرورة ملحّة، تتقدم على أي مطالب سياسية أخرى. واعتبرت أن هذه الهدنة، إلى جانب دورها في إنقاذ الأرواح، قد تساهم في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، وتمهّد الطريق نحو وقف إطلاق النار. وأشارت إلى أن حجم المعاناة المتزايدة يجعل من الاستجابة الإنسانية أولوية قصوى، تتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي، خاصة وأن السودان بات يشهد واحدة من أخطر الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
لفتت الطويل إلى أن السودان يشهد اليوم أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، حيث تجاوز عدد النازحين داخلياً عشرة ملايين شخص، فيما بلغ عدد اللاجئين الذين عبروا الحدود إلى دول الجوار أكثر من 2.5 مليون نسمة. وأوضحت أن أكثر من 30 مليون سوداني باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم 20 مليون يعانون من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ورأت أن هذا الحجم الهائل من الاحتياجات يقابله تمويل دولي محدود، في ظل انشغال المجتمع الدولي بصراعات أخرى، ما جعل الأزمة السودانية شبه منسية على المستوى العالمي.
أشارت الطويل إلى أن تفاقم الأزمة يرتبط مباشرة بفجوة تمويلية ضخمة، حيث لم تف الدول الكبرى بوعودها السابقة بشأن تقديم الدعم. وبيّنت أن منظمات الأمم المتحدة، بما فيها مفوضية اللاجئين، تعاني من نقص حاد في الموارد، ما يحد من قدرتها على تقديم المساعدات داخل السودان وخارجه. ولفتت إلى أن بعض مناطق دارفور وكردفان تحولت إلى جيوب مجاعة غير معلنة، نتيجة غياب التقييم الرسمي. وأوضحت أن الجهات الإغاثية اضطرت إلى تقليص الحصص الغذائية بنسبة تصل إلى 50%، مع استبعاد مكونات أساسية مثل الزيوت والبقوليات. كما حذّرت من أن مدينة الفاشر المحاصرة تواجه خطر المجاعة، ما لم يتم كسر الحصار أو إيصال مساعدات عاجلة، وسط مؤشرات على تحركات دولية للتعامل مع قوات الدعم السريع لتسهيل الوصول.
رأت الطويل أن القطاع الصحي في السودان يعاني من انهيار شبه كامل، حيث توقفت أكثر من 70% من المرافق الصحية عن العمل. وأشارت إلى أن هذا التوقف أدى إلى تفشي الأوبئة، وعلى رأسها الكوليرا التي تنتشر حالياً في 12 ولاية، إلى جانب الملاريا وحمى الضنك، ما دفع السلطات المحلية إلى إغلاق المدارس مؤقتاً. ولفتت إلى أن المأساة تتفاقم بين الفئات الأكثر هشاشة، إذ تحذر منظمة اليونيسف من أن مئات الآلاف من الأطفال معرضون لخطر الوفاة بسبب سوء التغذية الحاد ونقص اللقاحات، فيما أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن النساء الحوامل يفتقرن إلى خدمات الولادة الآمنة، ما يهدد حياتهن في ظل غياب الرعاية الطبية الأساسية.
أوضحت الطويل أن نحو 19 مليون طفل سوداني باتوا خارج المنظومة المدرسية، بينهم عدد كبير من الأطفال المقيمين في مصر، الذين لا يرتادون المدارس بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. واعتبرت أن هذا الواقع ينذر بخسارة جيل كامل، ويزيد من احتمالات انخراط الأطفال في أنشطة غير قانونية، سواء داخل السودان عبر التجنيد القسري، أو في مصر حيث تزداد حملات التوقيف الأمني للمراهقين السودانيين، ما يضعهم في دائرة الخطر القانوني والاجتماعي.
استعرضت الطويل تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن حجم التمويل المطلوب للاستجابة الإنسانية في السودان خلال عام 2025 يبلغ نحو 6 مليارات دولار، منها 75% مخصصة للداخل السوداني، و25% للاجئين في الخارج. وأوضحت أن نسبة الاستجابة لم تتجاوز 11% من احتياجات مفوضية اللاجئين، بينما تواجه منظمة اليونيسف فجوة تمويلية تصل إلى 60%. وبيّنت أن مساهمات المانحين الرئيسيين جاءت دون المستوى، إذ خصص الاتحاد الأوروبي 160 مليون يورو فقط، وهو أقل من 3% من المطلوب، فيما قلّصت الولايات المتحدة دعمها مقارنة بالسنوات السابقة. أما دول الخليج، فقد قدمت مساعدات متقطعة تفتقر إلى آلية مستدامة، ما يضع الاستجابة الإنسانية أمام تحديات كبيرة.
اختتمت الطويل تحليلها بالتأكيد على أن مستقبل السودان يتوقف على قدرة المجتمع الدولي على سد فجوة التمويل. ورأت أن استمرار نقص الدعم يعني دخول مناطق جديدة في دائرة المجاعة، وانهيار الخدمات الأساسية، وتوسع حركة النزوح داخلياً وخارجياً. أما في حال تحسن التمويل، فإن ذلك سيسمح باستعادة البرامج الإنسانية الأساسية، وتقديم الدعم للمحتاجين. ودعت إلى تنشيط حملات مناصرة فعالة، وزيادة التمويل المرن وغير المشروط، وضمان استدامته لمدة لا تقل عن خمس سنوات. كما شددت على ضرورة أن تبادر الحكومة السودانية والدول الإقليمية، وعلى رأسها مصر، بتسهيل وصول المساعدات وفتح ممرات آمنة، معتبرة أن القاهرة تملك من اللوجستيات ما يؤهلها للقيام بهذا الدور بكفاءة، على غرار ما حدث في غزة. وأكدت أن السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يحصل على الدعم اللازم لتفادي الانهيار، أو أن يُترك ليواجه مصيره كأكبر كارثة إنسانية منسية في العصر الحديث، بما يهدد استقرار مصر والمنطقة بأكملها.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا