
تشهد مدينة كتم الواقعة في ولاية شمال دارفور، على بعد 120 كيلومترًا شمال غرب الفاشر، موجة متصاعدة من التحديات الأمنية والمعيشية والخدمية، انعكست بشكل مباشر على حياة السكان المحليين والمجتمعات المحيطة بها. وتخضع المدينة لسيطرة قوات الدعم السريع، التي تهيمن على معظم محليات شمال دارفور باستثناء الفاشر وبعض المناطق الأخرى، ما يضع المدينة في قلب مشهد أمني هش ومتقلب.
تفشي النهب
المعلم والناشط المحلي يحيى الخمس أوضح لراديو دبنقا أن الطرق الرئيسية المؤدية إلى كتم، لا سيما في الاتجاه الشرقي نحو منطقتي الحمره وفتابرنو، تشهد انتشارًا واسعًا لظاهرة النهب باستخدام الدراجات النارية، ما جعل المواطنين عرضة لاعتداءات متكررة أثناء تنقلهم من وإلى السوق. ورغم وجود ارتكازات أمنية داخل المدينة، فإن التهديدات تتصاعد في الأطراف، حيث سُجلت عدة بلاغات دون أن تؤدي إلى معالجة جذرية للظاهرة.
ضعف الحماية
خلال الأسبوع الماضي، تعرض عدد من المتاجر في سوق كتم لمحاولات كسر ونهب، ما دفع السلطات الأمنية إلى إعلان تشديد الحراسة داخل السوق. إلا أن الطرق المؤدية إلى القرى المجاورة لا تزال تشكل خطراً حقيقياً على المواطنين. هذا الواقع دفع بعض السكان إلى الاستعانة بأطواف أمنية مدفوعة الأجر لتأمين تنقلاتهم من السوق إلى المعسكرات أو القرى، وهو حل مكلف يزيد من الأعباء الاقتصادية على الأسر.
مساعدات محدودة
في سبتمبر الماضي، وصلت إلى مدينة كتم قافلتان إنسانيتان تم من خلالهما توزيع مواد غذائية على سكان المدينة والمعسكرات والريف المجاور، رغم محدودية الكميات. وأشار يحيى الخمس إلى أن الأسواق شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار السلع الأساسية، حيث بلغ سعر رطل السكر 2200 جنيه مقارنة بـ1800 سابقًا، بينما انخفض سعر جركانة الزيت من 125 ألف جنيه إلى ما بين 80 و95 ألف جنيه. ورغم توفر المواد، فإن أسعارها المرتفعة تفوق قدرة معظم السكان الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل رئيسي.
أزمة الزراعة
المزارعون في كتم يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة والأدوية الزراعية. فقد تجاوز سعر جالون الوقود 160 ألف جنيه، بينما بلغ سعر البنزين 180 ألفًا. كما تؤدي تكاليف الترحيل المرتفعة إلى زيادة أسعار السلع، إذ تصل تكلفة نقل شوال بصل يزن 50 كيلوغرامًا من كتم إلى مليط نحو 20 ألف جنيه. ورغم هذه العقبات، يسير الموسم الزراعي الحالي بشكل مطمئن نسبيًا، حيث ساهمت الأمطار الجيدة في تحسين الإنتاج. وتم تشكيل لجان لحماية الموسم الزراعي بالتنسيق بين الإدارات الأهلية والمزارعين والرعاة، ما ساهم في تقليل الاحتكاكات وحماية المحاصيل. ويُتوقع أن يُسهم نجاح الموسم الزراعي في تخفيف الضغوط المعيشية على السكان.
تهديد صحي
الملاريا تُعد أكبر مهدد صحي في مدينة كتم حاليًا، في ظل انتشار واسع للمرض وارتفاع أسعار الأدوية نتيجة تكاليف الترحيل من مدن بعيدة مثل نيالا والطينة. ولا تزال الأمراض المزمنة تمثل تحديًا إضافيًا بسبب ندرة الأدوية الخاصة بها ونقص الأخصائيين. أما مرض الكوليرا، فلم تُسجل حالات مؤكدة في كتم حتى الآن، رغم ظهوره في مناطق قريبة مثل كفوت. وقد تدخلت بعض المنظمات والسلطات الصحية في كورما والمناطق الشرقية المجاورة عبر توزيع الأمصال ووسائل الوقاية، في محاولة للحد من انتشار الأمراض.
أزمة التعليم
التعليم يُعد من أبرز القضايا المقلقة في كتم، حيث توقفت المدارس منذ عام 2023 نتيجة الحريق وأحداث العنف، ولم تُستأنف الدراسة بشكل منتظم منذ ذلك الحين. واقتصرت العملية التعليمية على دروس خاصة تُعقد داخل الأحياء، ما يُهدد مستقبل آلاف الأطفال. ومؤخرًا، بدأت الإدارة المدنية، بالتنسيق مع الإدارات الأهلية والمجالس التربوية وأولياء الأمور، خطوات عملية لإعادة فتح المدارس الحكومية والخاصة. ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسجيل وافتتاح المدارس خلال الأيام المقبلة، استجابة للمطالب الشعبية الواسعة، بعد تحذيرات من خطورة استمرار بقاء الأطفال خارج دائرة التعليم.