
بينما تقترب الحرب السودانية من دخول عامها الثالث، لا تزال البلاد غارقة في دوامة من العنف والانهيار، وسط غياب أي مؤشرات على انفراج سياسي أو ميداني. فالأزمة تجاوزت حدود المعارك العسكرية بين الأطراف المتنازعة، لتطال مؤسسات الدولة وتُشعل فتيل صراعات عنصرية وقبلية وجهوية، وصلت إلى مستويات وصفتها واشنطن بأنها ترقى إلى الإبادة الجماعية. عمليات القتل على الهوية، وخطاب الكراهية، وجرائم الحرب، والانتهاكات ضد الإنسانية، باتت تهدد النسيج الاجتماعي السوداني، وتفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة تشمل الإرهاب، والتطرف العنيف، وانهيار الدولة، والتقسيم الجغرافي.
بؤرة إرهاب محتملة
في هذا السياق، استضاف برنامج “بصراحة” عبر راديو دبنقا اللواء شرطة (م) الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، في حلقة موسعة بعنوان “احتمالات وفرص تحول السودان – خلال الحرب الحالية – لبؤرة للإرهاب والتطرف العنيف”. وخلال المقابلة التي بُثت في عطلة نهاية الأسبوع، حذر اللواء عباس من أن السودان يسير بخطى متسارعة نحو التحول إلى مركز إقليمي للإرهاب، ما لم تتوقف الحرب فوراً وتُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. وأشار إلى أن استمرار النزاع دون تدخل حاسم سيُفضي إلى نتائج كارثية على الأمن المحلي والدولي.
إرث التطرف
اللواء عباس أوضح أن جذور الأزمة تعود إلى عقود من الحكم الذي هيمن عليه “المتطرفون الإسلاميون”، منذ عام 1989 وحتى سقوط نظامهم. دخول هذه الجماعات في الحرب الحالية بكل ثقلها، ووجود علاقات وثيقة تربطها بتنظيمات إسلامية متطرفة، يُعد مؤشراً خطيراً على أن السودان قد يتحول إلى أكبر بؤرة للإرهاب في المنطقة. وأضاف أن فشل الدولة في معالجة الأزمة السياسية والاقتصادية، ثم اندلاع الحرب، خلق بيئة خصبة لنشاط الجماعات المتطرفة، التي تستغل الفوضى لتوسيع نفوذها وتجنيد عناصر جديدة.
استحالة الحسم
في مستهل المقابلة، أكد اللواء عباس أن الحسم العسكري للأزمة بات مستحيلاً، مشيراً إلى أن مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب يُثبت أن الحل العسكري غير قابل للتحقيق. وأوضح أن السيطرة الميدانية تشهد تغيراً مستمراً بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث سجلت الأخيرة تقدماً واسعاً في بداية النزاع، قبل أن يستعيد الجيش زمام المبادرة ويُبسط سيطرته على مناطق استراتيجية، أبرزها ولاية الخرطوم، مركز الحكم والسياسة، وولاية الجزيرة، التي تُعد من أكبر الولايات السودانية من حيث الثقل الاقتصادي.
تصعيد ميداني
اللواء عباس أشار إلى أن العمليات العسكرية تصاعدت بشكل ملحوظ في إقليم دارفور، نتيجة إصرار قوات الدعم السريع على السيطرة على مدينة الفاشر بالقوة، في ظل مقاومة شرسة من الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه. كما تشهد ولايات كردفان الثلاث مواجهات متصاعدة، ففي شمال كردفان اندلعت اشتباكات عنيفة في بارا والخوي ومحيط مدينة الأبيض، بينما تركزت المعارك في غرب كردفان على مناطق النهود وحقول النفط قرب بابنوسة. أما جنوب كردفان، فقد شهدت محاولات مكثفة لإسقاط مدينة كادوقلي، إلى جانب تصاعد العمليات في مدينة الدبيبات، ما يعكس اتساع رقعة النزاع وتعدد جبهاته.
حرب المسيّرات
من أبرز التطورات العسكرية التي شهدتها الأشهر الأخيرة، الاستخدام المكثف للطائرات المسيّرة من قبل الطرفين. اللواء عباس أوضح أن قوات الدعم السريع تمكنت من تنفيذ هجمات وصلت إلى عمق مناطق سيطرة الجيش، بينما كثف سلاح الجو السوداني ضرباته الجوية باستخدام المسيّرات على مواقع الدعم السريع. هذا التحول النوعي في أدوات الحرب يُعد تطوراً عسكرياً مؤثراً، لكنه انعكس بشكل مباشر على المدنيين، الذين دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة القصف المتبادل والعمليات العسكرية المتواصلة.
ضحايا مدنيون
اللواء عباس أشار إلى أن الحراك العسكري خلّف أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين، الذين لا علاقة لهم بالنزاع، إلى جانب دمار واسع للبنية التحتية في مختلف المناطق، سواء تحت سيطرة الجيش أو الدعم السريع. أماكن العبادة، المستشفيات، والأسواق لم تسلم من الاستهداف، حيث وثّقت تقارير قصف مسجد في الفاشر أودى بحياة عشرات المصلين، إضافة إلى هجمات على مستشفيات ومرافق حيوية أخرى. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، شهد النصف الأول من عام 2025 ارتفاعاً كبيراً في عدد القتلى المدنيين، خاصة في دارفور، إلى جانب سقوط ضحايا جراء قصف مدينة كادوقلي بجنوب كردفان، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في مناطق سيطرتهما.
انهيار السلطة
يرى اللواء شرطة (م) الدكتور عصام عباس أن التطورات العسكرية المتسارعة في السودان لا يمكن فصلها عن البعد الإنساني الكارثي الذي بات يطغى على المشهد العام، مشيراً إلى أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين تُعد من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، لما تحمله من تهديدات تتجاوز حدود السودان لتطال الإقليم والمجتمع الدولي. وبحسب اللواء عباس، فإن أولى نتائج هذه الحرب تمثلت في تآكل سلطة الدولة وانهيار مؤسساتها الأمنية والإدارية، حيث باتت البلاد فعلياً مقسّمة بين مناطق نفوذ متباينة، تخضع كل منها لسيطرة طرف مختلف. فهناك مناطق تُدار من قبل الجيش، وأخرى تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، في ظل غياب شبه كامل لأجهزة الأمن والشرطة في معظم المدن، باستثناء بعض المراكز المحدودة. هذا الفراغ الأمني أفسح المجال لظهور جماعات محلية ومليشيات قبلية تفرض سيطرتها على مناطق بأكملها، ما يعكس حجم الانهيار المؤسسي الذي تعانيه الدولة السودانية.
عنف هوياتي
من أبرز المخاطر التي أفرزتها الحرب، بحسب اللواء عباس، تصاعد العنف القائم على الهوية، حيث تحوّل النزاع إلى صراع جهوي وقبلي وعرقي، تغذيه نزاعات تاريخية متجذرة، خاصة في مناطق دارفور وكردفان والنيل الأزرق. هذا التصعيد أدى إلى انتشار واسع لخطاب الكراهية، وارتكاب مجازر ذات طابع إثني وديني، ما يُنذر بتحول البلاد إلى ساحة لحرب أهلية طويلة الأمد. اللواء عباس حذّر من أن هذا النوع من العنف يُرسّخ الانقسامات المجتمعية ويقود السودان نحو هاوية عنفية يصعب الخروج منها، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة القادرة على احتواء هذه التوترات.
تمدد الإرهاب
الفراغ الأمني الناتج عن انهيار مؤسسات الدولة، وفقاً للواء عباس، يُشكّل بيئة مثالية لعودة وانتشار الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش. ومع امتداد الحدود البرية للسودان لأكثر من 6500 كيلومتر مع دول جوار تعاني اضطرابات أمنية، يصبح خطر تحول البلاد إلى مركز لنشاطات متطرفة أمراً واقعياً. اللواء عباس أشار إلى أن استمرار الانهيار الأمني يُمهّد الطريق لتشكّل معسكرات تدريب وتجنيد، ما يُهدد الأمن الإقليمي والدولي. كما حذّر من التداعيات الاقتصادية والإنسانية للحرب، التي أدت إلى ارتفاع معدلات الجوع، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل المصانع، وتشريد العمال، وتوقف المشاريع الزراعية، وتدهور المراعي والبيئة الحيوانية. هذه العوامل مجتمعة تُغذي انهيار النظام الاجتماعي والاقتصادي، وتُضاعف من المخاطر السياسية والأمنية، خاصة في ظل انتشار السلاح، الإفلات من المساءلة، والاستقطاب القبلي والجهوي، وتصاعد خطاب الكراهية، وهي كلها مؤشرات على احتمالية حدوث صدام مجتمعي واسع النطاق.
عسكرة المجتمع
اللواء عباس نبّه إلى أن أحد أخطر التهديدات التي تواجه السودان في المستقبل القريب يتمثل في عسكرة المجتمع وانتشار السلاح بين المدنيين بشكل غير مسبوق. وأوضح أن سهولة الحصول على الأسلحة، نتيجة توجيهات صادرة من أعلى المستويات في كلا المعسكرين، شجعت الأفراد على التسلح، ما أدى إلى تحول فئات من الشباب وحتى الأطفال إلى حاملي سلاح، في وقت توقفت فيه العملية التعليمية في مناطق واسعة. هذا التحول، بحسب اللواء عباس، يُعد من أخطر مهددات مستقبل السودان، خاصة مع تدفق الأسلحة عبر الحدود المفتوحة، وتحول البلاد إلى سوق ناشئ للأسلحة النوعية. وتساءل: هل يُعقل أن يمتلك مواطن عادي مدفع رشاش من طراز دكتوريوف أو كلاشنيكوف أو مدفع عيار 42؟ وهل من المقبول أن توجد لدى المدنيين قاذفات قنابل أو أسلحة متقدمة؟ وأكد أن انتشار هذه الأسلحة يُثير قلقاً بالغاً، لأنها ليست أدوات للحماية الشخصية، بل أدوات ذات تأثير مدمر، تُهدد الاستقرار الاجتماعي حتى بعد أي اتفاق سلام محتمل.
غياب الدولة
وفي سياق متصل، شدد اللواء عباس على أن معالجة أزمة السلاح والعسكرة لا يمكن أن تتم عبر حلول سطحية أو نظرية، بل تتطلب استراتيجية واضحة ومحددة تمكّن الدولة المدنية المستقبلية من استعادة السيطرة على السلاح المنفلت، عبر إجراءات قانونية واجتماعية وسياسية وأمنية متكاملة. هذه الاستراتيجية، بحسب اللواء عباس، يجب أن تركز على خفض مستويات التوتر، تقليل خطاب الكراهية، معالجة الغبن الاجتماعي، وإعادة ترميم النسيج المجتمعي المتصدع. وأكد أن مواجهة هذا الخطر ليست مهمة بسيطة، بل تحتاج إلى عمل مؤسسي متكامل يضم أجهزة الدولة، وقواعد المجتمع، وكل المكونات المجتمعية. السودان اليوم، كما يراه اللواء عباس، لا يملك دولة فعلية، بل سلطتين متنازعتين تتصارعان على الحكم، في ظل غياب مؤسسات الدولة الحديثة التي تُعنى بالخدمات والتعليم والصحة والأمن والاقتصاد والتنمية. هذا الغياب، إلى جانب تفشي الاستقطابات العرقية والجهوية، يُعقّد المشهد السياسي ويُضعف فرص الحل.
ورغم قتامة الصورة، عبّر اللواء عباس عن تفاؤل حذر، مشيراً إلى وجود حراك دولي وإقليمي ومحلي يسعى إلى إعادة السلام وبناء دولة سودانية حديثة. واستشهد بتجارب دول أخرى مرّت بحروب مدمّرة، لكنها استطاعت لاحقاً بناء دول قوية بالاستفادة من دروس الماضي. وأكد أن الطريق نحو السلام ليس سهلاً في ظل الوضع الراهن، لكنه لا يعني الاستسلام، بل يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية حقيقية للعبور نحو مستقبل أكثر استقراراً.
بؤرة إرهاب
حذّر اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، من أن السودان يقترب بسرعة من التحول إلى بؤرة مركزية للإرهاب العنيف، ما لم تتوقف الحرب فوراً وتُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. وأوضح أن الموقع الجغرافي للسودان، الذي يتوسط القارة الأفريقية والدول العربية، يجعله نقطة استراتيجية حساسة، خاصة أنه يشارك حدوداً مفتوحة مع سبع دول تعاني جميعها من اضطرابات أمنية. هذا الواقع الجغرافي، إلى جانب الانهيار السياسي والأمني الداخلي، يُهيئ البلاد لتكون أرضاً خصبة لنشاط الجماعات المتطرفة.
إرث الإسلاميين
اللواء عباس أشار إلى أن سيطرة المتطرفين الإسلاميين على الحكم في السودان منذ انقلاب عام 1989 وحتى سقوط نظامهم، ثم دخولهم الحرب الحالية بكل ثقلهم، يُعد من أبرز المؤشرات على احتمالية تحول السودان إلى مركز للإرهاب العنيف. علاقاتهم الواسعة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتاريخهم في دعم الفكر المتشدد، يُظهر بوضوح أن السودان يسير نحو سيناريو خطير إذا لم يتم تدارك الوضع. وأضاف أن هذه الجماعات لا تعترف بالحدود الوطنية أو السيادة القانونية للدول، بل تعتبر المنطقة بأكملها مجالاً مفتوحاً لتحركاتها، ما يُهدد الأمن الإقليمي والدولي.
بيئة خصبة
الظروف الأمنية المتدهورة، وانتشار العنف المصحوب بالتطرف والتمييز العرقي والجهوي، إلى جانب التشوهات الاجتماعية المتفاقمة، كلها عوامل تُعزز من احتمالات تحول السودان إلى دولة حاضنة للإرهاب. اللواء عباس أكد أن فشل الدولة في معالجة الأزمة السياسية والاقتصادية، ثم اندلاع الحرب، وفّر بيئة مثالية لنشاط الجماعات المتطرفة، التي تستغل الفوضى لتوسيع نفوذها وتجنيد عناصر جديدة، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة وانهيار منظومتها الأمنية.
تاريخ متجذر
في حديثه لراديو دبنقا، استعرض اللواء عباس جذور النشاط الإرهابي في السودان، مؤكداً أنها تعمقت عقب استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة في انقلاب 1989 بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير، وتبنيها مشروع إقامة دولة إسلامية. هذا التوجه السياسي، إلى جانب الواقع الجيوسياسي للسودان، وسيطرة المتطرفين الإسلاميين على مقاليد الحكم لثلاثة عقود، خلق حاضنة متماهية مع الفكر المتشدد، وفتح أبواب البلاد أمام تنظيمات إرهابية مثل داعش، بوكو حرام، والجماعات التكفيرية. هذه السياسات جعلت السودان مرشحاً دائماً ليكون ملاذاً آمناً للإرهاب العنيف.
دعم رسمي
اللواء عباس استشهد بوصف المجتمع الدولي لحكومة الإسلاميين التي تولت السلطة عام 1989 بأنها حكومة إرهابية، تشكل ملاذاً آمناً وداعماً للجماعات المتطرفة. وأكد أن هذا التصنيف لم يكن اعتباطياً، بل جاء نتيجة سلوكيات موثقة، حيث ثبت لاحقاً أن الحكومة السودانية كانت تسهّل وتؤيد نشاطات إرهابية، وتوفر الدعم اللوجستي والسياسي لبعض التنظيمات المتطرفة، ما رسّخ صورة السودان كدولة راعية للإرهاب في نظر المجتمع الدولي.
جماعات نشطة
وحول هوية الجماعات التي تنشط في السودان بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023، أشار اللواء عباس إلى جماعات الإسلام السياسي المتطرف، التي كثّفت من نشاطها بشكل كبير، واستقطبت الشباب تحت مسميات متعددة للانخراط في الصراع. وأكد أن هدف هذه الجماعات لا يتمثل في إقامة دولة إسلامية أو مدنية، بل في العودة إلى السلطة بعد أن أطاح بها الشعب السوداني في ثورة ديسمبر المجيدة. هذا التوجه، بحسب اللواء عباس، يُظهر أن الفكر المتطرف لا يسعى إلى الحوار أو البناء، بل إلى السيطرة عبر العنف، وهو ما يُهدد مستقبل البلاد بشكل مباشر.
صراع أيديولوجي
اللواء عباس شدد على أن الفكر المنحرف يقود دائماً إلى أفعال إرهابية، مشيراً إلى أن الصراع الأيديولوجي بين الإسلاميين أنفسهم تسبب في أحداث عنيفة راح ضحيتها قتلى وجرحى. هذه الأحداث تُظهر بوضوح العلاقة بين الدولة وأنشطة الجماعات المتطرفة، وتُسلط الضوء على خطورة التداخل بين السلطة السياسية والفكر المتشدد، خاصة في ظل غياب مؤسسات رقابية مستقلة قادرة على احتواء هذا التمدد.
حوادث موثقة
في المقابلة مع راديو دبنقا، استعرض اللواء عباس سلسلة من الحوادث الإرهابية التي شهدها السودان، بدءاً من استهداف مسجد أنصار السنة المحمدية في أم درمان عام 1994، والذي أودى بحياة نحو 20 شخصاً، مروراً بمحاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في 1995، وأحداث مسجد الجرافة عام 2000 التي خلفت 25 قتيلاً وأكثر من 20 جريحاً، ثم خلية السلمة في 2007، واغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون جرانفيلد في الخرطوم عام 2008. كما أشار إلى تفجيرات خلية الدندر، وحي جبرة جنوب الخرطوم في سبتمبر 2021، وخلية الحاج يوسف، إلى جانب نشاطات في صفوف طلاب الجامعات، ووجود عناصر مرتبطة ببوكو حرام في دارفور، وخلية تنظيم القاعدة، فضلاً عن شباب سودانيين التحقوا بتنظيمات إرهابية في الخارج. هذه النماذج، بحسب اللواء عباس، تُظهر أن هذه التنظيمات لا تلجأ إلى الفكر أو الحوار، بل تعتمد العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، ما يُرسّخ من خطورة تمددها في ظل غياب الدولة.
وقود التطرف
يرى اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس أن الحرب الدائرة في السودان لا تقتصر على المواجهات العسكرية، بل تغذيها عوامل مجتمعية تُسهم في تعزيز الاصطفاف الشعبي حول أطراف النزاع. وأوضح في مقابلة مع راديو دبنقا أن هناك انقساماً واضحاً في المجتمع، بين من يدعم الجيش لحسم المعركة ضد قوات الدعم السريع، ومن يؤيد الأخيرة بهدف السيطرة على السلطة في الخرطوم. وأكد أن كلا الطرفين لجأ إلى وسائل تحفيزية غير أخلاقية لاستقطاب الشباب، تعتمد على خطاب ديني تعبوي من جهة، وخطاب عرقي وجهوي وإثني من جهة أخرى، ما يُحول الحرب إلى بيئة خصبة لتنامي التطرف والإرهاب.
تحالفات مشبوهة
اللواء عباس أشار إلى أن الحرب الحالية تشهد توظيفاً لعناصر أجنبية ضمن عمليات التحشيد والاصطفاف، حيث استعان كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمقاتلين من خارج البلاد. وأوضح أن انخراط الجماعات الإسلامية إلى جانب الجيش لا ينبع من ولاء مؤسسي، بل من رغبة في استعادة السلطة التي فقدوها بعد سقوط نظامهم. وأضاف أن هذه الجماعات، تاريخياً، لم تكن تثق في الجيش السوداني، وهو ما دفعها إلى تأسيس قوى موازية منذ استلامها السلطة، بدءاً بقوات الدفاع الشعبي، ثم قوات حرس الحدود، وصولاً إلى قوات الدعم السريع، التي أصبحت اليوم طرفاً أساسياً في النزاع. هذا التاريخ، بحسب اللواء عباس، يُظهر أن تحالف الإسلاميين مع الجيش هو تحالف مرحلي ومصلحي، لا يعكس ثقة حقيقية في المؤسسة العسكرية.
محفزات محلية
في تحليله لعوامل تنامي الإرهاب، أشار اللواء عباس إلى أن السودان يواجه مجموعة من المحفزات المحلية والإقليمية والدولية التي تُسهم في انتشار الظاهرة. العامل الأول، بحسبه، يتمثل في ضعف مؤسسات الأمن، التي كانت عاجزة حتى قبل اندلاع الحرب عن فرض السيطرة ومنع تمدد الجماعات المتطرفة. هذا الضعف الأمني جعل السودان عرضة للتهديدات التي أرهقت دولاً مثل سوريا والعراق وأوروبا. العامل الثاني هو انتشار السلاح والاتجار غير المشروع به، ما خلق بيئة خصبة لنمو الحركات المتطرفة. العامل الثالث يتمثل في الخطاب التعبوي المتطرف، الذي يُشرعن العنف عبر خطب دينية تحرض الشباب على الانخراط في أعمال إرهابية. أما العامل الرابع، فهو الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، والفوارق الواسعة بين المواطنين، التي دفعت بعض السودانيين إلى الانضمام لتنظيمات متطرفة. وأشار اللواء عباس إلى أن السودان كان في فترات سابقة مصدراً للمقاتلين الإرهابيين، حيث شهد عودة عناصر من تنظيم داعش في الشام، إلى جانب تهريب سودانيين للانضمام إلى حركة الشباب الصومالية.
ثغرات الهوية
اللواء عباس أكد أن أحد أخطر العوامل التي تُسهم في تمدد الإرهاب هو الخلل في أنظمة الهوية والوثائق الرسمية. وأوضح أن السودان، بحكم حدوده المتداخلة ووجود إثنيات مشتركة مع دول الجوار، يُعاني من هشاشة في ضبط الهويات. وأضاف أن النظام السابق أفرط في منح الجنسية السودانية لأجانب من مناطق مضطربة دينياً وسياسياً، مثل سوريا والعراق واليمن، مشيراً إلى أن الرئيس المخلوع عمر البشير منح الجنسية لآلاف الأجانب، بينهم مطلوبون دولياً. وأشاد بالإجراءات التي اتخذتها حكومة الثورة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، ووزير الداخلية حينها عز الدين الشيخ، لحصر ومراجعة أكثر من 16 ألف حالة تجنيس، مؤكداً أن هذه الخطوة كشفت حجم التجاوزات في ملف الهوية الوطنية، وأظهرت مدى التهاون السيادي في إدارة هذا الملف الحساس.
ضعف التنسيق
في سياق متصل، أشار اللواء عباس إلى أن هناك عوامل عابرة للحدود تُسهم في انتشار الإرهاب، أبرزها سهولة الحركة عبر حدود السودان التي تمتد لأكثر من 6,500 كيلومتر، مع دول تعاني من اضطرابات أمنية. وأكد أن ضعف التنسيق الأمني والاستخباراتي الإقليمي، وغياب أنظمة السيطرة التقنية والقانونية، يجعل من حركة الإرهابيين وتبادل الأسلحة عملية سهلة وميسّرة. وأوضح أن هناك مناطق حدودية تُستخدم كمسارات لانتقال العناصر المتطرفة إلى داخل السودان وخارجه، ما ساعد في تنامي الإرهاب في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وفي السودان والدول المحيطة. ورغم ذلك، شدد اللواء عباس على أن السودان لم يتحول بعد إلى بؤرة للإرهاب، لكنه حذّر من أن استمرار الحرب سيُفضي حتماً إلى هذا التحول، ما لم يتم التدخل العاجل لوقف النزاع.
معابر جغرافية
اللواء عباس حدّد عدداً من المناطق الجغرافية التي تُعد معابر رئيسية لتسلل الجماعات الإرهابية. ففي الحدود الشرقية، أشار إلى منطقة الفشقة، التي تعاني من هشاشة أمنية بسبب النزاع التاريخي بين السودان وإثيوبيا، ما جعلها طريقاً لتصدير الإرهابيين إلى تنظيم الشباب في القرن الإفريقي. أما في الغرب، فإن دارفور وكردفان تشهد نشاطاً لتنظيمات مثل القاعدة في بلاد المغرب العربي وجماعات بوكو حرام، التي تتحرك عبر الشريط الحدودي مع تشاد وإفريقيا الوسطى. وفي الجنوب، رغم غياب النشاط الأيديولوجي، فإن هشاشة الأمن قد تُحوّل الحدود مع جنوب السودان إلى معبر لتجارة السلاح. أما وسط السودان، بما في ذلك الخرطوم، فقد شهد حوادث إرهابية متعددة، ما يُظهر أن خطر التطرف لا يقتصر على الأطراف الحدودية، بل يمتد إلى قلب البلاد.
جرائم حرب
اللواء عباس شدد على أهمية التمييز بين جرائم الحرب التي تُرتكب حالياً من قبل طرفي النزاع، وبين الإرهاب الأيديولوجي المرتبط بتنظيمات متطرفة. وأوضح أن القتل على أساس الهوية، التعذيب، التمثيل بالجثث، بتر الأعضاء، حرق الأسرى، واستهداف المدنيين ودور العبادة، كلها تُصنف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتخضع للقانون الدولي ومحكمة الجنايات الدولية. أما الإرهاب الذي يُحذر منه، فهو ذلك القائم على مبادئ أيديولوجية دينية متطرفة، كما هو الحال مع تنظيمات داعش والقاعدة، التي لا تؤمن بحدود الدولة السودانية، وتشكل تهديداً مباشراً للبلاد وللإقليم بأكمله.
تهديد عالمي
اللواء عباس اختتم تحليله بالتحذير من أن هذا النوع من الإرهاب لا يقتصر تأثيره على الدول التي ينشط فيها، بل يمتد ليُهدد العالم بأسره، كما حدث في أفغانستان وسوريا والعراق، حيث انتشرت خلايا التنظيمات المتطرفة في أوروبا وأمريكا وإفريقيا. وأكد أن السودان، إذا لم تنتهِ الحرب قريباً، قد يتحول إلى أحد أكبر مصادر تفريخ هذا النوع من الإرهاب، ما يُشكّل تهديداً مزعجاً وخطيراً على المستوى الدولي.
جذور النزاع
في مقابلة موسعة مع راديو دبنقا، شدد اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس على أن وقف الحرب في السودان يتطلب أولاً الاعتراف بجذورها العميقة، مؤكداً أنها ليست حرباً نشأت صدفة، بل امتداد لصراعات تاريخية متصلة بقضايا التنمية والهوية، وبالسؤال الجوهري حول كيفية حكم السودان، لا من يحكمه. وأوضح أن هذه الحرب لا تؤثر على السودان وحده، بل تمتد تداعياتها إلى الإقليم بأكمله، ما يستدعي معالجة جماعية تتسم بالتنسيق والتكامل بين القيادة السودانية والمجتمع الإقليمي. ودعا إلى تعظيم سردية السلام والاصطفاف إلى جانبها، من خلال بناء جبهة مدنية كبرى تواجه سردية الجيش التي تروّج لحرب الكرامة، وسردية الدعم السريع التي ترفع شعار العدالة ونصرة الهامش. وأشار إلى مبادرة سلام السودان التي أطلقها الدكتور فرانسيس دينق، واصفاً إياها بأنها مبادرة صادقة تهدف إلى تنمية وتوسيع الكتلة الرافضة للحرب، والمتمسكة بخيار السلام الحقيقي.
دعم إقليمي
اللواء عباس طالب المجتمعين الإقليمي والدولي بالانتباه إلى ما يجري في السودان، والتفاعل مع الحل السوداني بقيادة وطنية، مشدداً على أن آثار الحرب لا تقتصر على الداخل السوداني، بل تمتد إلى دول الجوار والمنطقة بأكملها. وأشاد في هذا السياق ببيان الآلية الرباعية، الذي دعا إلى وقف الحرب، ومعالجة جذورها، وإعادة السودان إلى مساره المدني الديمقراطي عبر عملية انتقالية تتحول إلى مسار سياسي مستدام ينهي معاناة السودانيين. واعتبر أن هذا البيان يُعد من أبرز المبادرات الإقليمية والدولية الأخيرة، ويعكس جدية متزايدة في التعامل مع الأزمة السودانية من منظور شامل.
مسار السلام
وفي ما يتعلق بخطوات وقف الحرب، دعا اللواء عباس إلى توجيه كل الجهود نحو إنهاء القتال، موضحاً أن وقف إطلاق النار لا يعني بالضرورة إنهاء الصراع فوراً، بل يُعد خطوة أولى في مسار طويل يتطلب سلسلة من الإجراءات المتكاملة. وأكد أن البداية يجب أن تكون بعمليات إنسانية عاجلة لمعالجة الأوضاع الصحية والطبية والغذائية المتدهورة، ثم الانتقال إلى بناء سلطة انتقالية متماسكة تمتلك أهدافاً واضحة، وتعمل على إعادة بناء المجتمع السوداني. لكنه نبه إلى أن عملية ترميم المجتمع ليست سهلة، بل معقدة، وتشمل العدالة الانتقالية، والتنمية المتوازنة، وإرساء الفيدرالية غير المتماثلة، ومعالجة المظالم التاريخية، وجذور الصراع المرتبطة بالسلطة والهوية والتنمية الاجتماعية.
سلام شامل
اللواء عباس شدد على أن أي وقف لإطلاق النار لا يُعالج جذور الأزمة سيؤدي فقط إلى تأجيل الصراع لفترة مؤقتة، قبل أن يتجدد مرة أخرى. وأكد أن السودان بحاجة إلى مشروع متكامل لإنهاء النزاع بصورة نهائية، يبدأ بوقف الحرب وينتهي بسلام دائم وشامل. هذا المشروع، بحسب اللواء عباس، يجب أن يُبنى على أسس سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة، ويُراعي تعقيدات الواقع السوداني، ويُعزز من فرص الاستقرار المستدام، بعيداً عن الحلول المؤقتة أو التسويات الهشة.