صباح السابع من ديسمبر/كانون الأول 1941 شنت قوات البحرية التابعة للإمبراطورية اليابانية غارة جوية مدمرة على قاعدة “بيرل هاربر” العسكرية الأميركية الواقعة على جزيرة “أواهو” في هاواي في المحيط الهادي، مستخدمة أكثر من 350 طائرة حربية أطلقت من 6 حاملات طائرات.
وتحيي الولايات المتحدة ذكرى هذا الهجوم سنويا عبر تنكيس الأعلام الوطنية أمام النصب التذكاري “بيرل هاربر” في هاواي تكريما لأرواح الضحايا.
وكان الهدف من الهجوم تدمير أكبر عدد من السفن والطائرات التابعة لأسطول الولايات المتحدة بالمحيط الهادي وإضعاف القوة البحرية، حتى لا تتمكن من الرد على هجماتها التي خططت لتنفيذها في اليوم نفسه بمناطق آسيوية مختلفة.
وجاءت هذه الخطوة الإستراتيجية في سياق الحرب العالمية الثانية، التي بدأت فعليا عام 1939، بعد غزو ألمانيا النازية بقيادة الزعيم أدولف هتلر بولندا ومناطق أخرى من أوروبا، مما دفع كلا من بريطانيا وفرنسا لإعلان الحرب عليها.
ورغم تقديم الولايات المتحدة دعما غير مباشر لبريطانيا والاتحاد السوفياتي عبر برنامج الإعارة والتأجير -الذي أتاح تزويد الدول المتحالفة ضد ألمانيا واليابان بالأسلحة والذخيرة- لم تكن واشنطن قد دخلت الحرب بعد بصفة رسمية.
الأسباب والدوافع
كانت اليابان حتى منتصف القرن الـ19 تتبع سياسة “الساكوكو” التي فرضتها حكومة توكوغاوا (1603-1863) إذ عزلت البلاد عن الشؤون الدولية، واعتمدت على انغلاق اقتصادي وسياسي شبه تام، إلى أن تغير ذلك جذريا بين عامي 1853 و1854، حين فتحت البلاد أمام التجارة العالمية بالقوة عقب وصول الأسطول الأميركي بقيادة ماثيو بيري.
وأدى ذاك الانفتاح إلى انطلاق عملية تحديث شاملة لليابان، بداية من تحديث البنية الاجتماعية والاقتصادية مرورا بإصلاحات سياسية ووصولا إلى بناء جيش حديث.
ومع دخول القرن الـ20، سعت اليابان لتعزيز مكانتها كإمبراطورية ذات قوة إقليمية كبرى، إلا أن كونها أرخبيلا محدود الموارد الطبيعية (أهمها الفحم والمطاط) كان عائقا أمام طموحاتها التوسعية.
ولتعويض هذا النقص في الموارد، شرعت اليابان في اتباع سياسة توسعية عدوانية تجاه دول الجوار، وكانت قد غزت منشوريا عام 1931 والصين عام 1937، ثم سعت للسيطرة على مناطق جنوب شرق آسيا الغنية بالموارد الطبيعية.

وفي الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تراقب بصمت إلى حين حلول يوليو/تموز 1939 وإعلانها إلغاء معاهدة الملاحة والتجارة التي وقعتها مع طوكيو عام 1911.
وهدفت الاتفاقية إلى تنظيم العلاقات التجارية ومنح اليابان امتيازات بالسوق الأميركية، ودخل قرار الانسحاب بعد 6 أشهر وفقا لشروط المعاهدة، كما أنه شكّل تحولا حادا في العلاقات الثنائية.
وصيف 1940، شرعت الولايات المتحدة في فرض حظر تدريجي وتقييد تصدير المواد التي من الممكن استخدامها في الصناعات العسكرية لليابان، ومن بينها الحديد والوقود وقطع غيار الطائرات والزيوت الصناعية والمطاط.
وفي يوليو/تموز 1941 جاء الحر الأشد، وهو منع تصدير النفط والبترول بشكل تام، وكانت تلك الضربة القاصمة لليابان التي اعتمدت بنسبة كبيرة على الولايات المتحدة في تلبية حاجياتها النفطية.
وقرأت اليابان هذه الخطوات بمثابة تهديد مباشر لها، وبدأت في التخطيط للحصول على الموارد بالقوة من مناطق أخرى في آسيا، لكنها رأت ضرورة التخلص من القوات البحرية الأميركية قبل ذلك.
التخطيط للهجوم
أعلن القائد العسكري الياباني إيسورو ياماموتو عن خطته لأول مرة بشكل علني في يناير/كانون الثاني 1941، وذلك عندما وجه رسالة إلى وزير البحرية الأميرال كوشيرو أويكاو يفيد فيها بأن الحرب مع الولايات المتحدة أصبحت حتمية.
ولم ينتظر ياماموتو إذن وزارة البحرية بل بدأ بجمع أفضل العقول في الطيران والبحرية للتخطيط للهجوم، وطلب من الأميرال رئيس أركان الأسطول الجوي الـ11 تاكيغيرو أونيشي دراسة الفكرة.
وكان أونيشي يعلم أنه بحاجة إلى طيار ومخطط ذي خبرة وذكاء، لذلك استدعى القائد مينورو غيندا الذي كان آنذاك ضابطا في طاقم الطيران على حاملة الطائرات “كاغا”.
وكان غيندا معروفا في البحرية اليابانية بأنه طيار بارع ومخطط استثنائي ودائما ما يفكر خارج الصندوق، وهذا ما جعله الشخص المثالي الذي يحتاجه أونيشي لتنفيذ العملية الهجومية.
ودرس القائد الجديد الفكرة 10 أيام، وخلص إلى أن الخطة يمكن أن تنفذ بنجاح إذا توفرت الشروط التسعة التالية:
- أن يكون الهجوم مباغتا.
- إصابة الأهداف الرئيسية وهي حاملات الطائرات الأميركية.
- إشراك جميع الطائرات الحربية اليابانية المتاحة.
- استخدام أنواع متعددة من الطائرات من طراز طوربيد، وطائرات القصف بالغوص، وطائرات القصف من ارتفاع عال وكذا المقاتلات.

- أن تسهم المقاتلات بشكل كبير في العملية.
- أن تتم العملية في وضح النهار.
- أن تعيد السفن اليابانية التزود بالوقود في البحر.
- تدمير الطائرات المتمركزة على أرض القاعدة لتحقيق السيطرة الجوية.
- التخطيط للعملية بسرية تامة.
وفي تلك الأثناء استمرت المفاوضات بين الولايات المتحدة واليابان بشأن المعاهدة حتى خريف 1941 لكن دون التوصل إلى اتفاق يذكر.
وصدر الأمر الياباني رسميا بتنفيذ الهجوم في 5 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة ذاتها، وبعد يوم اجتمعت القوات اليابانية في جزر الكوريل شمالي البلاد لتنسيق الخطة النهائية للهجوم ومراجعة تفاصيلها.
تحذيرات أميركية مسبقة
من جهتها أكدت واشنطن أن المفاوضات فشلت، وطلبت تنفيذ استعدادات دفاعية، إضافة إلى عمليات استطلاع جوي وبحري.
كما بعثت رسالة تحذيرية إلى الجنرال والتر شورت في 24 و27 نوفمبر/تشرين الثاني 1941 عنوانها “هذا البلاغ يعتبر تحذيرا من الحرب”.
لكن شورت توقع أن يكون تخريبا داخليا ولم يتوقع أن يكون هجوما عسكريا خارجيا، وأمر بتجميع الطائرات في مجموعات لتسهيل حمايتها، ولكنها في الحقيقة باتت هدفا سهلا للغارات الجوية اليابانية لاحقا.
ولم يفعّل الأميرال هازبند كيميل دوريات واسعة بما فيه الكفاية لتعقب تحركات الطائرات اليابانية، وعلى الرغم من تمكن الجانب الأميركي من رصد غواصة يابانية قبالة الميناء والتقاط الرادار سربا من الطائرات القادمة، فإن تلك التحذيرات أُهملت أو فسرت بشكل خاطئ.

تنفيذ الهجوم
صباح 7 ديسمبر/كانون الأول 1941 بدأت قوات الإمبراطورية اليابانية في تنفيذ الموجة الأولى من الهجوم، والتي استهدفت الطائرات الأميركية المتوقفة في مطارات جزيرة “أواهو” في هاواي، باستخدام 177 طائرة حربية.
وفي الوقت نفسه، قصفت طائرات الطوربيدات السفن الأميركية الحربية الراسية بالميناء. وفي الدقائق الخمس الأولى قصفت 4 سفن حربية من بينها سفينتا “يو إس إس أوكلاهوما” و”يو إس إس أريزونا”.
وبعد مرور دقائق معدودة، انفجرت سفينة أريزونا بعدما أصابت قنبلة مخازن البارود الخاصة بها، وأدى ذلك إلى غرقها ومقتل 1177 من طاقمها.
وتلت هذا الهجوم المدمر موجة ثانية بعد مضي ساعة على تنفيذ الأولى، نفذتها 163 طائرة يابانية خلال ساعتين، وتمكنت الطائرات من إصابة 21 سفينة حربية أميركية، إضافة إلى تدمير 188 طائرة ومقتل 2403 أشخاص من العسكريين الأميركيين رجالا ونساء كانوا متمركزين في قاعدة “بيرل هاربر” التي دمرها القصف.
ورغم أن الهجوم كان مباغتا فإن العديد من العسكريين الأميركيين تمكنوا من النجاة، ومن بينهم دوريس ميلر الذي كان مساعد طباخ من الدرجة الثالثة على متن سفينة “يو إس إس ويست فرجينيا”.
كما تمكن بعض الطيارين الأميركيين من الإقلاع بطائراتهم رغم أن مدارج الهبوط كانت تحت الهجوم.

النتائج
شكل الهجوم على قاعدة “بيرل هاربر” نقطة تحول حاسمة في مجرى الحرب العالمية الثانية، وأفضى إلى تغيير موازين القوى ودخول الولايات المتحدة على خط الصراع.
ففي اليوم التالي، ألقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت خطابا أمام الكونغرس وصف فيه يوم الهجوم بـ”المشؤوم” وبأنه “سيظل موصوما بالعار” وأعلن الحرب على اليابان، وقد صوت البرلمان بأغلبية ساحقة لصالح الإعلان.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية الحرب على الولايات المتحدة، ومن جهتها ردت أميركا بإعلانها الحرب على دول المحور الثلاث.
وبذلك دخلت رسميا الحرب العالمية الثانية في كل من الجبهتين الأوروبية والآسيوية، وكان المحيط الهادي مسرحا للقتال.
وفي 23 أغسطس/آب 1994، اختار الكونغرس الأميركي السابع من ديسمبر/كانون الأول من كل عام ليكون يوما وطنيا لإحياء ذكرى الهجوم على قاعدة “بيرل هاربر”.
وتقام سنويا مراسم رسمية عند النصب التذكاري الوطني “بيرل هاربر” الذي احتفظ بحطام السفن “يو إس إس أريزونا” كما يرفع العلم الأميركي تكريما لأرواح من فُقدوا بالغارة الجوية في هاواي.