عندما يكون الأب نرجسيا تتحول الطفولة من مرحلة اكتشاف وتعلم إلى معركة يومية للبقاء النفسي، وتترك هذه الشخصية المعقدة التي تطغى فيها مشاعر الأهمية والاستحقاق المفرط آثاراً عميقة على نفسية الصغار.
وتناولت حلقة (2025/8/15) من برنامج “خيال أم جد؟” هذه القضية الحساسة من خلال قصة أمجد، الشاب الذي يعاني من تردد مزمن وفقدان الثقة بالنفس نتيجة تربيته تحت سلطة أب نرجسي.
وسلط البرنامج الضوء على واقع مؤلم يعيشه آلاف الأطفال في مجتمعاتنا العربية، دون أن يدركوا طبيعة المشكلة التي يواجهونها.
النرجسية، كما عرفتها أستاذة علم النفس نينا براون، هي اضطراب في الشخصية يتميز بالشعور المفرط بالأهمية والحاجة المستمرة للإعجاب والاهتمام، ويقدم الشخص النرجسي مصالحه على أي شخص آخر، حتى لو كانوا أبناءه، وقل ما يتقبل النقد أو الاعتراف بأخطائه.
وفي السياق الأسري، يصبح الأب النرجسي مصدر دمار نفسي لأطفاله، فبدلاً من أن يكون الداعم والحامي، يتحول إلى ناقد دائم يستخدم التعيير والمقارنات السلبية كأدوات للسيطرة.
ولا يرى هؤلاء الآباء في أطفالهم أفراداً مستقلين لهم أحلامهم وطموحاتهم، بل يراها امتداداً لذواتهم ومشاريعهم الشخصية.
ويظهر التأثير النفسي لهذا النوع من التربية بوضوح في شخصية أمجد الذي عجز حتى عن طلب “شاورما” بسيطة دون إضافات، وهذا التردد المزمن وفقدان القدرة على اتخاذ القرارات البسيطة هو نتاج سنوات من القمع النفسي والتلاعب العاطفي.
تقنيات السيطرة
ويستخدم الأب النرجسي تقنيات متعددة لضمان سيطرته على أطفاله، مثل التقنية التي تجعل الطفل يشكك في ذاكرته وإدراكه للأحداث، حيث يعيد الأب صياغة الأحداث ويهمش الأجزاء التي تجعله مخطئاً.
كما يمكن أن يستخدم الأب أسلوب التلاعب العاطفي بالتناوب بين دور الضحية والمعاقب والمغري لضمان خضوع الطفل لإرادته.
ويرى خبراء أن الأمر الأكثر خطورة أن تأثير هذه الشخصية لا ينتهي بانتهاء الطفولة، فالأب النرجسي لن يتخلى عن تاج السيطرة على أبنائه مهما بلغت سنهم، وإذا حس بالإحباط أو خيبة الأمل لأن الابن بدأ بالمقاومة فإن عدوانيته تكشر عن أنيابها من خلال نوبات الصراخ والغضب وحتى العنف الجسدي أحياناً.
وقدم الدكتور المعالج في البرنامج نصائح مهمة للتعامل مع هذه الحالات، أولاً: المواجهة المباشرة ليست الحل، فالشخص النرجسي لن يعترف بمشكلته ولن يسعى للعلاج.
ثانياً: التركيز على فهم طبيعة هذه الشخصية وتعلم قراءة رسائلها وإدارة المشاعر بشكل أفضل، وثالثاً: تجنب الصدام والحفاظ على الهدوء، مع التدرب على المحافظة على الثقة بالنفس.
ويتطلب العلاج رحلة طويلة من الكتابة والتذكر والعمل على استخراج الطاقة المحبوسة، فالهدف ليس تغيير الأب النرجسي -وهو شبه مستحيل- بل تقليل الخسائر وحماية الذات من التأثيرات السلبية المستمرة.
وتمثل قصة أمجد صرخة لآلاف الصغار الذين يعيشون تحت سلطة آباء نرجسيين، ولعلاجها يمثل إدراك المشكلة الخطوة الأولى نحو التعافي، والأمل يكمن في أن يجد هؤلاء الأطفال القوة لاستعادة ثقتهم بأنفسهم وبناء حياة مستقلة بعيداً عن ظلال الماضي المؤلم.
15/8/2025–|آخر تحديث: 19:51 (توقيت مكة)