شهد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف جلسة مشاورات مطولة بشأن مشروع قرار خاص بمدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، وسط حضور دبلوماسي مكثف ومطالبات حقوقية بإجراءات عاجلة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
مشاورات مكثفة
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف جلسة مشاورات مطولة لمناقشة مشروع قرار يتعلق بالأوضاع الإنسانية والحقوقية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والمناطق المجاورة، وذلك في ظل استمرار النزاع المسلح وتفاقم الأزمة الإنسانية في السودان. وشارك في الجلسة ممثلون عن 24 دولة من أصل 47 دولة عضوًا في المجلس، إلى جانب دعم إضافي من أكثر من 31 دولة بصفة مراقب. واستمرت المشاورات من الساعة العاشرة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، قبل أن تُستأنف في جلسة إضافية داخل القاعة الكبرى استغرقت نحو ساعة ونصف. وتمحورت النقاشات حول الانتهاكات التي شهدتها الفاشر ومدن سودانية أخرى، مع مطالبات بإعداد تقرير شامل قد يشمل كامل البلاد.
حضور حكومي
تميّزت الجلسة بحضور رسمي لوفد من الحكومة السودانية، في سابقة لم تحدث في جلسات سابقة مماثلة. وطالب الوفد الحكومي بإدانة صريحة لقوات الدعم السريع ضمن مشروع القرار، كما دعا إلى أن يتولى مكتب مفوضية حقوق الإنسان إعداد التقرير، بدلاً من البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان. غير أن غالبية الدول الأعضاء أيدت تمكين البعثة الدولية المستقلة من إعداد التقرير، استنادًا إلى ولايتها الواضحة في هذا المجال. ومن المقرر أن يُعرض التقرير الخاص بالفاشر على الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان، المقررة بين نهاية فبراير ومطلع أبريل المقبل.
دعم واسع
تولت مجموعة أساسية من الدول، تضم المملكة المتحدة، ألمانيا، هولندا، النرويج، أيرلندا، وموناكو، قيادة المشاورات، وأكدت أنها أخذت بعين الاعتبار جميع الملاحظات المقدمة من الدول المشاركة، إلى جانب مداخلات منظمات المجتمع المدني، من بينها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والمركز الإفريقي للديمقراطية ودراسات حقوق الإنسان. كما تلقت الجلسة مذكرات من أكثر من 30 منظمة حقوقية طالبت بإحالة الوضع في السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، ورفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات ملزمة، بما في ذلك فرض هدنة إنسانية أو وقف فوري لإطلاق النار.
توافق مطلوب
أوضح الدكتور محمد صالح يس، المدافع عن حقوق الإنسان، أن المجموعة الأساسية تسعى إلى تعديل مشروع القرار بما يراعي ملاحظات جميع الأطراف، بهدف التوصل إلى توافق وإجماع داخل المجلس، وتفادي اللجوء إلى التصويت. وأشار إلى أنه في حال تعذر التوافق، سيتم طرح مشروع القرار للتصويت خلال الجلسة الاستثنائية المقررة يوم الجمعة 14 نوفمبر. وأكد يس أن الجلسة شهدت حضورًا كثيفًا داخل القاعة الرئيسية، ما يعكس الاهتمام الدولي المتزايد بالأوضاع في السودان، خاصة في المدن المحاصرة مثل بابنوسة، والدلنج، وبارا، إلى جانب الفاشر. وشدد على أن المجتمع الدولي يولي أهمية قصوى لوقف الحرب، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين ضمن رؤية واضحة المعالم.
دعوات للمساءلة
في السياق ذاته، اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن عقد الجلسة الطارئة يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على الانتهاكات وتعزيز جهود المساءلة، مشددة على ضرورة أن يطلب مجلس حقوق الإنسان إجراء تحقيق خاص من قبل البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان، وتوفير الموارد اللازمة لذلك. وأكدت المنظمة في بيان لها أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي فشلا في اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين، كما أن العديد من الحكومات لم تفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات، ولم تواجه الجهات التي تقدم دعماً عسكرياً لقوات الدعم السريع، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.
مطالبات حازمة
طالبت هيومن رايتس ووتش القادة والهيئات الإقليمية والدولية بدعوة الإمارات إلى تعليق دعمها لقوات الدعم السريع، وفرض عقوبات على قيادتها، ونشر بعثة ميدانية لحماية المدنيين. وحذرت المنظمة من أن أي إجراء أقل من ذلك سيعرض مزيدًا من الأرواح للخطر، ويمنح مزيدًا من القوة لجماعة مارست الإرهاب واستهداف المدنيين عمدًا على مدى سنوات. وأشارت إلى أنها حللت عشرات مقاطع الفيديو التي صورتها قوات الدعم السريع، وتُظهر مقاتلين يحتفلون فوق جثث القتلى، وينفذون إعدامات ميدانية بحق مدنيين، بينهم جرحى، ويسخرون من الضحايا.
أدلة مصورة
أفادت المنظمة أن أحد المقاطع يُظهر جنديًا من قوات الدعم السريع وهو يُعدم رجلًا مسنًا داخل كلية الطب بجامعة الفاشر، في غرفة تملؤها الجثث. كما نقلت عن الأمم المتحدة أن قوات الدعم السريع ارتكبت مجزرة بحق المرضى والعاملين في مستشفى السعودي للولادة. وشددت هيومن رايتس ووتش على أن هذه الانتهاكات المروعة باتت مألوفة بشكل مأساوي، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك حملة تطهير عرقي في غرب دارفور عام 2023، وعنف جنسي واسع النطاق في الخرطوم وجنوب كردفان. وأضافت أن خطر الانتهاكات المستمرة لا يزال قائماً في شمال دارفور ومنطقة كردفان.
