في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر أواخر أكتوبر الماضي، تشهد مدينة مليط شمال دارفور موجة نزوح غير مسبوقة، حيث يواجه آلاف الفارين من القتال أوضاعًا إنسانية حرجة وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية ووسائل الإيواء، ما يضع المدينة أمام تحديات تفوق قدراتها المحلية.
ظروف قاسية
يعيش آلاف النازحين الذين وصلوا إلى مدينة مليط، الواقعة على بعد نحو 65 كيلومترًا شمال الفاشر، أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة، في ظل استمرار تدفق الأسر الفارة من مناطق القتال. وأفادت فاطمة محمد البشر، وهي نازحة من الفاشر، لموقع “دارفور24″، بأن مراكز الإيواء في المدينة امتلأت بالكامل، ما اضطر عددًا كبيرًا من النازحين إلى البقاء أمام المراكز دون مأوى، وسط نقص حاد في الغذاء ومياه الشرب والأدوية. وأضافت أن رحلتها من الفاشر استغرقت ثلاثة أيام، وانتهت بها أمام أحد مراكز الإيواء في انتظار ترتيب أوضاعها والسفر إلى مدينة الدبة، مشيرة إلى أن البحث عن مكان للإقامة لم يثمر عن أي نتيجة.
مطالب عاجلة
من جهتها، قالت النازحة سيدة إبراهيم إنها وصلت إلى مليط بعد رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت أربعة أيام من منطقة طرة شمال الفاشر، وتقيم حاليًا في منزل أحد أقاربها بحي الامتداد شرق المدينة. وطالبت سيدة الجهات الإنسانية والخيرية بدعم غرفة طوارئ مليط لتتمكن من أداء دورها في مساندة النازحين داخل مراكز الإيواء. ووفقًا لأحد المتطوعين المحليين، فإن المدينة تستضيف حاليًا أكثر من 100 ألف نازح، بينهم ما يزيد على 60 ألفًا وصلوا خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى عدد من الجرحى والمرضى. وأوضح أن عدد مراكز الإيواء تجاوز 30 مركزًا، تشمل المدارس والمؤسسات العامة التي امتلأت بالكامل بالأسر النازحة، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المنظمات الوطنية والدولية.
توقف التمويل
أشار المتطوع إلى أن غرفة الطوارئ في مليط كانت قد نظّمت مطبخًا جماعيًا في مركز إيواء التأهيل التربوي خلال أكتوبر الماضي، واستمر لعدة أيام قبل أن يتوقف بسبب نفاد التمويل. وأكد أن الحاجة الماسة للدعم الإنساني لا تزال قائمة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للنازحين. وأضاف أن سكان المدينة أبدوا تضامنًا واسعًا مع الوافدين الجدد، وقدموا بعض المواد الغذائية في مراكز الإيواء داخل الأحياء، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجههم. وتُظهر هذه المبادرات الشعبية حجم الضغط الذي تواجهه المدينة، التي باتت عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين.
تقرير الطوارئ
في تقرير حديث نشرته غرفة طوارئ مليط عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، أكدت أن المدينة شهدت موجة نزوح كبيرة من الأسر القادمة من الفاشر والمناطق المجاورة، ما أدى إلى ارتفاع الكثافة السكانية في مراكز الإيواء والمناطق المستضيفة بشكل يفوق الإمكانات المحلية. وأوضحت أن الوضع الإنساني أصبح حرجًا للغاية، مع ضعف القدرة على توفير المأوى والخيام ومواد الإيواء للأسر الجديدة. وأضافت أن توقف عمل المطابخ الجماعية زاد من معاناة الأسر، التي باتت تعتمد على وجبات محدودة توفرها بعض المبادرات المحلية، إلى جانب الحاجة المتزايدة للملابس، خصوصًا للأطفال والنساء، في ظل الظروف المناخية القاسية. كما أشارت إلى ضعف إمدادات المياه الصالحة للشرب، وازدياد الضغط على الآبار والمصادر الموجودة داخل المدينة، ما يفاقم الأزمة بشكل يومي.
خلفية النزوح
جاءت موجة النزوح إلى مليط بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مقر الفرقة السادسة مشاة في مدينة الفاشر، التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور. وتمت هذه السيطرة بعد حصار استمر نحو عام ونصف، أعقبته عمليات عسكرية شملت مقرات الحاميات والفرق العسكرية في ولايات غرب وجنوب وشرق ووسط دارفور خلال عام 2023. هذا التحول العسكري أدى إلى نزوح جماعي من الفاشر باتجاه المدن المجاورة، وفي مقدمتها مليط، التي باتت تواجه أزمة إنسانية متفاقمة تتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية.
