
أفادت مصادر محلية في مدينة النهود، الواقعة في ولاية غرب كردفان، بأن القطاع الصحي بالمدينة تعرض لدمار شبه كامل نتيجة عمليات تخريب ممنهجة نفذتها قوات الدعم السريع التي تسيطر على المدينة منذ مايو الماضي. وأكدت المصادر أن هذا التدمير طال المؤسسات الصحية العامة والخاصة، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الطبية، ما أدى إلى توقف شبه تام في تقديم الخدمات العلاجية. أصحاب مراكز صحية خاصة قدّروا حجم الخسائر المالية الناجمة عن هذه العمليات بآلاف الدولارات، في تصريحاتهم لموقع “دارفور24”.
تدمير ممنهج
بحسب إفادات المصادر، فإن نحو 26 مركزًا طبيًا ومستوصفًا تعرضت لعمليات تخريب ممنهجة شملت سرقة المعدات الطبية، ونهب محطات الطاقة الشمسية، وإتلاف البنية التحتية للمباني. كما طالت عمليات النهب المستشفيات الحكومية، حيث تم الاستيلاء على الأجهزة والمعدات الطبية، بما في ذلك المعامل التشخيصية، ما أدى إلى انهيار كامل في القدرة التشغيلية للمرافق الصحية. وتُعد مدينة النهود من أبرز المدن في إقليم كردفان، حيث تضم أكبر مستشفى حكومي في ولاية غرب كردفان، وهو مستشفى النهود المرجعي، إلى جانب شبكة من المراكز الطبية الخاصة التي كانت تقدم خدمات علاجية متقدمة قبل اندلاع الأزمة.
توقف العلاج
أدى دخول قوات الدعم السريع إلى المدينة إلى توقف شامل في الخدمات العلاجية، ما دفع السكان إلى اللجوء لاستخدام الأدوية دون استشارة طبية، وفقًا للمصادر. وأشارت التقارير إلى أن المستشفى التعليمي بات يفتقر إلى وجود الأطباء، حيث يقتصر الطاقم العامل فيه على كوادر التمريض وفنيي المعامل، وهو المركز الوحيد الذي يُسمح للمواطنين باللجوء إليه بعد منعهم من دخول المستشفى المرجعي الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع. هذه القوات قامت باستجلاب نحو 21 كادرًا طبيًا لتقديم العلاج لجرحاها، ما زاد من تعقيد الوضع الصحي في المدينة.
نهب الصيدليات
أكدت المصادر أن الصيدليات في المدينة تعرضت لعمليات نهب واسعة شملت المعدات والأدوية والأجهزة الطبية، ولم يتبق منها شيء يُذكر. ووصفت المصادر ما حدث بأنه أكبر عملية تدمير للقطاع الصحي في تاريخ مدينة النهود، حيث لم تسلم أي منشأة صحية من التخريب أو النهب، ما أدى إلى انهيار كامل في منظومة الرعاية الصحية المحلية.
مستوصفات منهارة
من جانبه، وصف اختصاصي الجراحة في مدينة النهود، الدكتور الضاوي المكي، حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع الصحي بأنها “كبيرة وغير مسبوقة”، مشيرًا إلى أن ستة مستوصفات تخصصية تعرضت لتدمير كامل. وتشمل هذه المستوصفات: محمد عبدالمجيد، سليمان التخصصي، الرعاية الطبية التخصصي، الخير التخصصي “تاما”، مستر ولاء الدين، ومحمد الأمين التخصصي. وأوضح المكي أن نسبة الأضرار في هذه المراكز بلغت 100٪، حيث تم نهب جميع الأجهزة والمعدات والأدوية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية بما فيها الأبواب والنوافذ والأثاثات. ولفت إلى أن مستوصف محمد عبدالمجيد كان يحتوي على أجهزة طبية باهظة الثمن، من بينها جهاز الأشعة السينية.
تقديرات أولية
أصحاب المراكز الصحية في المدينة أشاروا إلى صعوبة حصر الخسائر بدقة في الوقت الراهن، إلا أن بعضهم قدم تقديرات أولية. الدكتور عبدالعظيم أبوبكر، صاحب مستوصف الرعاية الطبية، قدّر متوسط الخسائر بنحو 120 ألف دولار، مشيرًا إلى أن المستوصف تعرض للنهب الكامل، بما في ذلك ماكينة التخدير، أجهزة المعمل، الأدوية، ومنظومة الطاقة الشمسية. كما طالت عمليات النهب عيادته الخاصة بالموجات فوق الصوتية، والتي تُعد من أقدم العيادات في الولاية، حيث كانت تقدم خدمات تشخيصية منذ أكثر من عشرين عامًا. وأوضح أن العيادة كانت تحتوي على أجهزة دبلر متطورة ومنظومة طاقة شمسية مكونة من 18 لوحًا، وقدّر خسائرها بنحو 35 ألف دولار.
أدوية منهوبة
هشام عبدالمجيد، صاحب مستوصف محمد عبدالمجيد، أكد أن حجم الخسائر لا يمكن حصره بدقة في الوقت الحالي، لكنه أشار إلى أن قيمة الأدوية المنهوبة وحدها تفوق 2 ترليون جنيه سوداني. وأضاف أن المركز كان يحتوي على خمسة مخازن للأدوية، جميعها تعرضت للسرقة، بما في ذلك الصيدلية التابعة للمستوصف، ما أدى إلى فقدان كامل للمخزون الدوائي.
نزوح وفوضى
منذ أن فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة النهود في مطلع مايو، شهدت المدينة انهيارًا أمنيًا واسعًا، حيث غرقت في موجة من الفوضى والنهب. هذا الوضع دفع عددًا كبيرًا من سكان المدينة إلى النزوح نحو القرى والمناطق المجاورة، إلا أن تدهور الخدمات واستمرار الانفلات الأمني أجبرهم على النزوح مجددًا نحو مناطق شرق وشمال البلاد، في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها المدينة.