
شرع مستشفى التجاني الماحي للطب النفسي في مدينة أم درمان في تنفيذ خطوات عملية لإعادة تشغيل العيادات المحوّلة، وذلك بعد توقف دام نحو عامين نتيجة تداعيات الحرب. وتضمنت هذه الخطوات نشر إعلان رسمي للتعاقد مع اختصاصيين واستشاريين في مجال الطب النفسي، في محاولة لاستعادة الخدمات العلاجية التي تعطلت بفعل الظروف الأمنية واللوجستية المحيطة بالمستشفى. هذه المبادرة تأتي في وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا ملحوظًا في الحاجة إلى الرعاية النفسية، وسط تزايد حالات الصدمة والانهيار النفسي بين السكان، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح.
تداعيات الحرب
يؤكد مختصون في الطب النفسي أن الحرب المستمرة في البلاد ساهمت بشكل مباشر في ارتفاع معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية، لا سيما بين الأطفال والنساء الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة وجرائم مروعة خلال فترات القتال. هذه الفئات باتت تمثل الشريحة الأكثر هشاشة في المجتمع، وتحتاج إلى تدخلات علاجية عاجلة لمواجهة آثار الصدمة النفسية التي خلفتها الحرب. ويشير العاملون في القطاع إلى أن الأوضاع الحالية تتطلب توسيع نطاق الخدمات النفسية، وتوفير كوادر مؤهلة قادرة على التعامل مع حالات معقدة ومتعددة الأبعاد.
أضرار مباشرة
في مقابلة تلفزيونية أجريت في أغسطس 2025، كشفت الدكتورة مي محمد يوسف، مديرة مستشفى التجاني الماحي، أن قوات الدعم السريع أقامت نقطة ارتكاز عسكرية قرب المستشفى على مدار العامين الماضيين، ما أدى إلى أضرار جسيمة في البنية التحتية للمرفق الطبي. وأوضحت أن المباني تعرضت لتلف كبير نتيجة القتال، بما في ذلك اندلاع حريق طال أجزاء من المستشفى خلال المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع. النيران امتدت إلى مكاتب الموظفين، وأدت إلى تلف المحول الكهربائي، ما تسبب في تعطيل الخدمات الحيوية داخل المنشأة.
استعادة جزئية
رغم الأضرار التي لحقت بالمستشفى، أفاد مصدر طبي من داخل مستشفى التجاني الماحي وفق منصة الترا سودان بأن ملفات المرضى الذين كانوا يترددون على العيادات تم العثور عليها بحالة جيدة، ما سمح بإعادة تشغيل بعض الأقسام واستئناف العمل تدريجيًا. وأشار المصدر إلى أن الحاجة للعلاج النفسي باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، في ظل الصدمات المتراكمة التي أصابت المواطنين خلال فترة الحرب. وأضاف أن الأطفال والنساء يمثلون الفئة الأكثر تضررًا، وأن المستشفى يستعد لاستقبال أعداد متزايدة من الحالات التي تتطلب تدخلًا نفسيًا متخصصًا.
دعم حكومي
بحسب المصدر الطبي ذاته، فإن وزارة الصحة بولاية الخرطوم أبدت اهتمامًا كبيرًا بإعادة تأهيل مستشفى التجاني الماحي، ووعدت بتذليل العقبات التي تعترض تقديم الخدمة الطبية النفسية بشكل مستمر. هذا الدعم يأتي في إطار جهود رسمية لإعادة بناء المنظومة الصحية في العاصمة، وتوفير الرعاية اللازمة للمتضررين من الحرب. ويُنظر إلى المستشفى باعتباره مركزًا مرجعيًا في مجال الطب النفسي، ما يجعل استئناف نشاطه ضرورة ملحة في ظل التحديات الراهنة.
انتشار مقلق
في سياق متصل، سجلت عدة مدن سودانية خلال فترة الحرب ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المصابين بالاضطرابات النفسية، حيث تحوّل العديد منهم إلى مشردين يعيشون في الشوارع دون رعاية أو مأوى. سكان مدينتي عطبرة ووادي حلفا أعربوا عن قلقهم من تزايد أعداد المرضى النفسيين، مؤكدين أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المختصة. هذا الانتشار المقلق يعكس حجم الأزمة النفسية التي خلفها النزاع، ويطرح تحديات كبيرة أمام النظام الصحي في البلاد.
غياب التوثيق
ورغم تفاقم الأزمة، لا تزال هناك فجوة واضحة في التوثيق الرسمي لحالات المرضى النفسيين والمشردين الذين تأثروا بالحرب التي اندلعت في العاصمة الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 وحتى مايو 2025. غياب التقارير الميدانية الدقيقة حول مصير هؤلاء المرضى يعيق جهود التدخل العلاجي، ويحد من قدرة المؤسسات الصحية على وضع خطط استجابة فعالة. في ظل هذا الفراغ المعلوماتي، تبقى الحاجة ملحة لتوثيق الأوضاع النفسية للسكان، وتوفير قاعدة بيانات تساعد في رسم سياسات صحية مستدامة.