
إعادة تشكيل الجيش
بحسب إفادات متعددة وتصريحات مسربة من اجتماعات داخل الحركة الإسلامية، عمد الإسلاميون منذ الأشهر الأولى للانقلاب إلى إقصاء الضباط المستقلين واستبدالهم بعناصر موالية لهم، عبر عملية ممنهجة شملت استيعابهم في الكليات العسكرية على مدار سنوات. ويرى كثير من السودانيين أن هذا التغلغل أدى إلى تحول الجيش تدريجيًا إلى مؤسسة تعكس مشروع الحركة الإسلامية، بدلًا من أن يبقى كيانًا وطنيًا جامعًا كما كان في الأنظمة العسكرية السابقة. عسكريون متقاعدون أكدوا أن هذا النفوذ امتد ليشمل الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، ما أدى إلى تفكيك مؤسسات الدولة القومية وإعادة أدلجتها لصالح الإسلاميين.
الإسلاميون والحرب
من بين التشكيلات التي أنشأها نظام البشير كانت قوات الدعم السريع، التي دخلت في مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش في أبريل 2023، بعد سقوط النظام في أعقاب احتجاجات شعبية أطاحت به في أبريل 2019. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقة بين الدعم السريع والجيش، المدعوم من الإسلاميين، متوترة. سياسيون وعسكريون سابقون يرون أن الإسلاميين، الذين فقدوا السلطة، يعتبرون الحرب فرصة لإعادة التمركز السياسي عبر التخلص من الدعم السريع. تقارير إعلامية وتصريحات مسؤولين سابقين وثقت دور الحركة الإسلامية في تأجيج الصراع، رغم نفي الجيش لأي تنسيق حزبي، إلا أن مصادر متعددة أشارت إلى مشاركة كتائب إسلامية مثل “البراء بن مالك” في القتال إلى جانب الجيش.
بيان الرباعية
في 12 سبتمبر 2025، أصدرت الآلية الرباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، بيانًا حذرت فيه من تأثير الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان المسلمين على مستقبل السودان، معتبرة أن نفوذها ساهم في زعزعة الاستقرار داخل البلاد والمنطقة. بالتزامن مع البيان، فرضت واشنطن عقوبات على وزير المالية جبريل إبراهيم، وكتائب البراء بن مالك، في رسالة واضحة بأن استمرار التحالف مع الإسلاميين سيؤدي إلى عزلة دولية وعقوبات متعددة الأوجه. محللون أكدوا أن هذه الرسائل تعكس تحولًا في الموقف الدولي تجاه الجيش السوداني، في حال استمر في التنسيق مع الإسلاميين.
ضغوط داخلية
اللواء المتقاعد كمال إسماعيل وفق جريدة الشرق الاوسط السعودية اعتبر أن مطالب الرباعية لم تعد محصورة في الدول الأربع، بل أصبحت مطلبًا دوليًا وإقليميًا وشعبيًا داخل السودان. وأوضح أن الإخوان المسلمين، بطبيعتهم الفكرية، هم المستفيدون الوحيدون من استمرار الحرب، مستندًا إلى تاريخهم في استخدام العنف كأداة سياسية. إسماعيل أشار إلى أن الحركة الإسلامية فككت مؤسسات الدولة لصالحها منذ انقلاب 1989، وأعادتها وفق معتقداتها، لكنه أعرب عن ثقته في وجود ضباط وطنيين داخل الجيش قادرين على استعادة الهوية القومية للمؤسسة العسكرية.
اختراق مؤسسي
بابكر فيصل، رئيس التجمع الاتحادي وقيادي في تحالف “صمود”، عزز ما ذهب إليه إسماعيل، مشيرًا إلى أن الإسلاميين احتكروا الدخول إلى الكلية الحربية منذ عام 1990، ما سمح لهم بالتغلغل في مفاصل الجيش. واستشهد بتصريحات علنية للقيادية الإسلامية سناء حمد، التي كشفت عن تحقيقها مع قيادة الجيش حول أسباب سقوط النظام، واعتراف رئيس هيئة الأركان الأسبق هاشم عبد المطلب بانتمائه للتنظيم وتلقيه أوامر مباشرة من قيادته، ما يؤكد السيطرة شبه الكاملة على الأجهزة العسكرية والأمنية.
خيارات الجيش
في ظل هذا الواقع، يرى فيصل أن الجيش بات أمام خيارين: إما مواصلة الحرب بدعم من الحركة الإسلامية، وهو ما سيؤدي إلى عزلة دولية وعقوبات متعددة، أو الانخراط في خطة الآلية الرباعية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار والتفاوض. لكنه حذر من أن هذا الخيار سيضع الجيش في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين وضباطهم داخل المؤسسة العسكرية، ما قد يؤدي إلى إطاحة القيادة العسكرية أو اندلاع حرب داخلية جديدة. وتوقع أن تحاول قيادة الجيش التوازن بين الخيارين، عبر التفاوض لكسب الوقت، مع الاستمرار في إرضاء الإسلاميين بمواصلة الحرب، لكنه أشار إلى أن هذا النهج لن يصمد طويلًا، في ظل الانهيار العام في البلاد والتحولات الإقليمية المناهضة لتيار الإسلام السياسي.