
أعلنت مؤسسة “رايت ليفليهود” عن منح جائزة عام 2025، المعروفة باسم “نوبل البديلة”، لمبادرة “غرف الطوارئ” السودانية، تقديرًا لدورها الحيوي في مواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد. ويأتي هذا التكريم بعد أسبوعين فقط من فوز المبادرة بجائزة رافتو النرويجية، إلى جانب ترشيحها لجائزة نوبل، ما يعكس الاعتراف الدولي المتزايد بجهودها في ظل انهيار مؤسسات الدولة وعجز المنظمات الدولية عن الوصول إلى المتضررين.
جائزة مرموقة
تُمنح جائزة رايت ليفليهود سنويًا منذ تأسيسها عام 1980 على يد رجل الأعمال الألماني جاكوب فون يكسكول، وتُخصص لتكريم الأفراد والمؤسسات التي تقدم حلولًا عملية للتحديات العالمية، بما في ذلك حقوق الإنسان والتنمية المستدامة وحماية البيئة. وتبلغ قيمة الجائزة 97.3 ألف دولار، وتُعلن عادة في ديسمبر من كل عام. وقد ضمت قائمة الفائزين شخصيات ومؤسسات من مختلف أنحاء العالم، بينها أسماء عربية بارزة، ما يعزز من رمزية فوز “غرف الطوارئ” في هذا التوقيت الحرج.
اعتراف جماعي
في مقابلة مع “راديو دبنقا”، اعتبر محمد جاد السيد، عضو “غرف طوارئ بحري”، أن الجائزة تمثل اعترافًا دوليًا بالدور المحوري الذي لعبته المبادرة في التخفيف من آثار الأزمة الإنسانية التي يعيشها السودان، والتي تُعد من بين الأكبر عالميًا. وأكد أن التكريم لا يخص المبادرة وحدها، بل يشمل جميع السودانيين، من المتطوعين على الأرض إلى العاملين في الإعلام والمناصرة، الذين ساهموا في إبراز حجم الكارثة الإنسانية ومعالجتها عبر التضامن المجتمعي.
تنظيم شعبي
وأوضح جاد السيد أن “غرف الطوارئ” نشأت كحراك شعبي عقب اندلاع الحرب، لتسد الفراغ المؤسسي الناتج عن انهيار الدولة، وتقدم نموذجًا عمليًا في التنظيم المجتمعي. وقد اعتمدت المبادرة على المطابخ الجماعية، وتوزيع السلال الغذائية، والدعم النقدي، إلى جانب حماية النساء والأطفال وإجلاء النازحين. كما ابتكرت شكلًا جديدًا من الحماية الاجتماعية يستند إلى الإرث السوداني في التكافل، ما جعلها قادرة على الوصول إلى مناطق محاصرة مثل الفاشر وكادوقلي والدلنج، في وقت عجز فيه المجتمع الدولي عن ذلك.
دعم ذاتي
أشار جاد السيد إلى أن المبادرة اعتمدت منذ بدايتها على الدعم الذاتي وتحويلات السودانيين في الخارج، ما عزز من قدرتها على الاستمرار رغم محدودية الموارد. وأكد أن التجربة أسست لوعي جديد بأهمية التنظيم والعمل الطوعي كمسار للتعافي السريع بعد الحرب، بعيدًا عن الاعتماد المطوّل على المساعدات الخارجية. كما دعا الأطراف المتحاربة إلى إقرار هدنة إنسانية عاجلة تسمح بإدخال الغذاء والدواء إلى المناطق المحاصرة، مشددًا على أن آلاف المدنيين يواجهون خطر المجاعة نتيجة الحصار.
تحديات ميدانية
تواجه “غرف الطوارئ” المنتشرة في مختلف أنحاء السودان تحديات كبيرة تعرقل قدرتها على تقديم الاستجابة الإنسانية، أبرزها نقص التمويل، إذ تحصل على أقل من 1% من إجمالي الدعم الإنساني الموجّه للبلاد. وتفاقمت الأزمة بعد توقف المساعدات الأمريكية، ما أدى إلى ضغوط مالية متزايدة. كما أشار جاد السيد إلى أن نظام المساعدات التابع للأمم المتحدة يحد من تمكين المجتمعات المحلية، ويغيب عنه إشراك السكان في تحديد احتياجاتهم وإدارة الموارد.
مخاطر المتطوعين
سلامة المتطوعين تمثل تحديًا إضافيًا، إذ يتعرضون لمخاطر مباشرة نتيجة القصف غير المقصود، إلى جانب الضغوط النفسية الناتجة عن استمرار العمل الإنساني لأكثر من عامين ونصف. وتواجه المبادرة أيضًا ضعف التنسيق مع المجتمع الدولي والجهات الإقليمية، وصعوبات في الحركة والاتصالات بسبب اختلاف مناطق السيطرة، وانقطاع الشبكات أو مراقبتها في بعض المناطق، ما يعوق التواصل الميداني ويحد من فعالية الاستجابة.
تطوير داخلي
على المستوى الداخلي، أوضح مسؤولو المبادرة أن التحديات التنظيمية كانت كبيرة في البداية، نظرًا لغياب الخبرة الإنسانية السابقة، لكن المتطوعين تمكنوا من تطوير آليات التنظيم الذاتي وتبادل الخبرات، ما ساهم في تحسين الأداء بشكل مستمر. وأشاروا إلى أن أبرز الاحتياجات التي تتطلب دعمًا خارجيًا تشمل التمويل، وتيسير الحركة، والتحديات التشغيلية، لضمان استمرارية عمل المبادرة في مختلف المناطق المتضررة.
دعوة للتدخل
طالب جاد السيد بضرورة اتخاذ تدخلات عاجلة لدعم عمل “غرف الطوارئ”، مشددًا على أهمية تمكينها من تقديم المساعدات دون عوائق. وأكد أن حرية الحركة والدعم من الجهات المسيطرة يمثلان شرطًا أساسيًا، حيث يجب السماح للمبادرة بالتحرك بحرية لتلبية احتياجات السكان، وتوفير الدعم اللوجستي اللازم. كما دعا السودانيين خارج مناطق النزاع إلى دعم المبادرة والضغط على الأطراف المتحاربة للسماح لها بأداء مهامها الإنسانية.
اعتراف دولي
شدد جاد السيد على ضرورة اعتراف المجتمعين الدولي والإقليمي بـ”غرف الطوارئ” كجهة فاعلة في المجال الإنساني، وتقديم الدعم المعنوي والمادي، بما في ذلك التمويل اللازم لتنفيذ أنشطتها. وأكد أن المبادرة تمثل وسيلة فعالة لتعزيز وصول المساعدات، وتأكيد حق المجتمعات في تلبية احتياجاتها ذاتيًا. كما طالب بتمويل أنشطة المجتمعات المحلية، والسماح لممثليها بالمشاركة في المحافل الدولية للتعبير عن احتياجات السودانيين، إلى جانب الضغط على الأطراف العسكرية لضمان عدم التضييق على المبادرة والمنظمات المحلية الأخرى.
استمرار الجهود
أكد جاد السيد أهمية استمرار الجهود الإنسانية لـ”غرف الطوارئ” في مختلف مناطق السودان، مشددًا على ضرورة تعزيز التنسيق وإعادة التنظيم بما يتوافق مع خصوصية كل مرحلة وكل منطقة. كما دعا إلى تطوير قدرات المتطوعين لتمكينهم من تلبية احتياجات المجتمعات بشكل أفضل، وربط المجهودات المحلية بالمبادرات الدولية لتحقيق أثر متكامل ومستدام. وأوضح أن المبادرة ستواصل لعب دور محوري في توفير الاحتياجات الإنسانية الطارئة ودعم تعافي المجتمعات حتى بعد توقف الحرب.
نداء إنساني
وجهت “غرف الطوارئ” نداءً عاجلًا لإنقاذ مئات الأطفال والنساء المحاصرين في الفاشر وكادوقلي والدلنج، مؤكدة أنها تمكنت من توفير احتياجات إنسانية عاجلة، بما في ذلك أدوية للأطفال وتشغيل مطابخ جماعية لفترات طويلة رغم الحصار المفروض على هذه المدن. وشددت المبادرة على أهمية فك الحصار لضمان حياة آمنة للسكان، وتمكين وصول المساعدات أو السماح بخروج المدنيين عند الضرورة.