
القاهرة – أعادت الفيضانات الأخيرة التي ضربت السودان ملف سد النهضة الإثيوبي إلى واجهة التصعيد السياسي، وسط تحذيرات مصرية متجددة من تداعيات المشروع المائي الذي أقامته أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وفي تصريحات رسمية، أكدت الحكومة المصرية امتلاكها سيناريوهات جاهزة للتعامل مع ما وصفته بـ”الأعمال الأحادية” في منابع النهر، مشددة على أن السد لا يزال غير قانوني حتى يتم التوصل إلى اتفاق ملزم يضمن حقوق دولتي المصب.
موقف القاهرة
وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، قال في تصريحات تلفزيونية مساء الأحد من أمام السد العالي في جنوب مصر، إن بلاده لن تسمح بتأثر المواطن المصري جراء أي إجراءات منفردة تتخذها إثيوبيا. وأضاف أن مصر دولة ذات سيادة وتملك أدوات القوة، ولا تعوّل على مواقف الأطراف الدولية في قضية السد، مشيراً إلى أن القوانين الدولية تمنح القاهرة الحق في اتخاذ إجراءات محددة في توقيتات معينة إذا اقتضت الضرورة.
أديس أبابا دشّنت المشروع رسمياً في 9 سبتمبر الجاري، وسط اعتراضات من مصر والسودان اللتين تطالبان باتفاق قانوني ملزم ينظم تشغيل السد ويضمن عدم الإضرار بمصالحهما المائية. وكانت القاهرة قد أعلنت في ديسمبر الماضي فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات، مغلقة بذلك مساراً تفاوضياً امتد لأكثر من 13 عاماً دون التوصل إلى توافق.
فيضانات السودان
الفيضانات التي اجتاحت السودان مؤخراً أثارت مخاوف من تأثيرات مباشرة للسد الإثيوبي. وزارة الري والموارد المائية السودانية نشرت تحذيرات عبر صفحتها الرسمية، طالبة من المواطنين اتخاذ ما يلزم لحماية أرواحهم وممتلكاتهم، في ظل استمرار ارتفاع مناسيب النيل.
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أرجع الفيضانات إلى تفريغ كميات ضخمة من المياه من سد النهضة، مشيراً إلى أن توقف توربينات توليد الكهرباء دفع أديس أبابا إلى تصريف المياه بقوة، ما تسبب في غرق مناطق واسعة في السودان. وذكر شراقي أن التصريف تجاوز 450 مليون متر مكعب يومياً منذ افتتاح السد، ووصل إلى ذروته عند 750 مليون متر مكعب خلال الأيام الأخيرة، قبل أن ينخفض قليلاً إلى 699 مليون متر مكعب، وهو ما يزيد عن ضعف الإيراد الطبيعي في هذا الوقت من العام.
دور السد العالي
الخبير المصري شدد على أهمية السد العالي في حماية مصر من تداعيات ملء خزان سد النهضة خلال السنوات الخمس الماضية، مؤكداً أن السد المصري يعمل بكفاءة عالية في استقبال مياه الفيضان دون أن تتأثر البلاد. وأضاف أن التخبط في تشغيل سد النهضة لن يؤثر على استقرار مصر المائي، طالما ظل السد العالي منظماً وفاعلاً في إدارة الموارد.
مصر ترى أن أهداف إثيوبيا من بناء السد تتجاوز الجانب التنموي، لتشمل الهيمنة السياسية على منابع النيل. وزير الري المصري أكد أن توليد الكهرباء ليس الهدف الأول من المشروع، بل السيطرة على النهر والتحكم في المنطقة، مشدداً على أن مصر لن تسمح بذلك. وأوضح أن المياه التي خزنتها إثيوبيا خلال سنوات الملء خُصمت من رصيد مصر والسودان، وأن حجم السد مبالغ فيه مقارنة بقدرته الفعلية على توليد الكهرباء.
مخاوف الانهيار
المستشار الأسبق لوزير الري المصري، الدكتور ضياء الدين القوصي، حذر من مخاطر انهيار السد نتيجة ضعف معامل الأمان، مشيراً إلى أن إثيوبيا فشلت فنياً في إدارة وتشغيل المشروع. وقال إن استمرار الأمطار على الهضبة الإثيوبية يزيد من احتمالات الخطر، خاصة بعد أن بلغ حجم التخزين 74 مليار متر مكعب، وهي سعة لا يحتملها جسم السد، في ظل تعطل معظم التوربينات.
أخطاء فنية
الخبير في الموارد المائية، الدكتور نادر نور الدين، اعتبر أن إثيوبيا ارتكبت خطأً فنياً بملء البحيرة بكامل سعتها قبل الانتهاء من تركيب جميع التوربينات الـ13، مشيراً إلى أن بدء الفيضان في السودان يكشف زيف الادعاءات الإثيوبية بأن السد سيمنع الفيضانات.
شكوى رسمية
مصر تقدمت بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي فور افتتاح السد، مؤكدة أن السياسات الأحادية التي تتبعها أديس أبابا تهدد استقرار المنطقة وتعرض حقوقها ومصالحها الوجودية في نهر النيل للخطر.
السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، قال إن تصاعد اللهجة المصرية يهدف إلى إبقاء قضية السد حاضرة أمام المجتمع الدولي. وأضاف أن إثيوبيا أنهت بناء السد وافتتحته دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، معتبراً أن القرار السياسي الإثيوبي لا يزال متعنتاً، ما يستدعي تحركاً دبلوماسياً مستمراً من جانب القاهرة.