مراسلو الجزيرة نت
طهران- على وقع التهديدات الغربية بتفعيل آلية الزناد، انتهت المفاوضات النووية بين طهران والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) مساء أمس الثلاثاء في جنيف من دون إصدار بيان، في مؤشر على إخفاق الاجتماع -وفق مراقبين- للحيلولة دون الوصول إلى نقطة اللاعودة في إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران.
ورغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي استبق هذه المفاوضات، التي تنعقد للمرة الثانية عقب حرب يونيو/حزيران الماضي، بتأكيد استعداد طهران “لخوض مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن شريطة عدم إقدامها على أي اعتداء عسكري في أثنائها”، فإن الرياح في جنيف لم تجرِ بما تشتهي سفينة بلاده، قبل 5 أيام فقط من نفاد المهلة التي سبق أن حددتها الترويكا الأوروبية بنهاية الشهر الجاري.
وفي وقت سابق من العام الحالي، اتفق الأوروبيون مع الولايات المتحدة على تحديد موعد نهائي آخر أغسطس/آب الجاري لتفعيل آلية الزناد إذا لم تستجب إيران لعدة شروط، بما في ذلك استئناف المفاوضات مع واشنطن بشأن البرنامج النووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقع طهران النووية، وكشف مصير أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب.
مواصلة الاتصالات
جاءت موافقة إيران المشروطة لاستئناف المفاوضات مع واشنطن متزامنة مع تأكيد المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، مساء أمس الثلاثاء، عودة أول فريق من المفتشين إلى طهران، مشددا -في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز- على أنه لا يمكن إجراء محادثات جدية معها من دون تفقد منشآتها النووية.
وعقب انتهائها، أكد كاظم غريب أبادي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية والقانونية، الذي شارك في المحادثات إلى جانب مجيد تخت روانجي المساعد السياسي لوزير خارجية بلاده، أنهما استعرضا وجهات نظر طهران بشأن القرار الأممي رقم 2231 في الجلسة التي حضرها المديرون السياسيون بوزارات خارجية دول الترويكا الأوروبية، إضافة إلى نائب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
وفي منشور له على منصة إكس، أكد غريب آبادي التزام بلاده بالدبلوماسية وحل ينتفع به الطرفان، مضيفا أنه حان الوقت لتقوم الترويكا الأوروبية ومجلس الأمن باختبار صحيح، من خلال إعطاء الوقت وفسح المجال للدبلوماسية.
من جانبه، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أنه تم الاتفاق على مواصلة الاتصالات خلال الأيام القادمة، مؤكدا في تصريح للتلفزيون الرسمي أن “الموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية واضح؛ ولا تملك أي من الدول الأوروبية الثلاث -قانونيا وحقوقيا- حق تفعيل آلية الزناد، وأنها ستتحمل وحدها تبعات أي خطوة من هذا النوع”.
ويعيد تصريح بقائي موقف بلاده المختلف تماما حيال المبادرات السياسية الروسية والأوروبية إلى واجهة النقاشات في الأوساط السياسية الإيرانية، إذ ترحب طهران بمشروع القرار الروسي الرامي إلى تمديد القرار رقم 2231 من جهة، وترفض المقترح الأوروبي بتأجيل آلية الزناد مقابل استجابتها لشروط الترويكا من جهة أخرى.
آلية الزناد
وإلى جانب الترحيب الإيراني بمقترح موسكو التي ستتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي خلال أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يرى مراقبون سياسيون في طهران أن سبب عدم تجاوب بلادهم مع المقترح الأوروبي هو حسابات تتعلق بتأثير الجانب الأوروبي في المعادلات ومنحها الشرعية بتفعيل آلية الزناد مستقبلا.
في السياق، تسلط قناة “محلل” على منصة تلغرام -المهتمة بسياسة طهران الخارجية- الضوء على خطورة التجاوب الإيراني مع شروط الترويكا على ضوء عدم وفاء الأوروبيين بتعهداتهم في الاتفاق النووي لعام 2015، محذرة من أن الإقرار بحقهم في تفعيل آلية الزناد سيوفر ذريعة لأعداء إيران لشن حروب عسكرية ضدها.
وفي تحليل نشرته دون ذكر اسم الكاتب، ترى أن مفاوضات جنيف انتهت من دون تحقيق تقدم ملموس، بما يدفع بشكل كبير نحو زيادة احتمالات اللجوء إلى تفعيل آلية الزناد، مؤكدة وجود قلق من التداعيات الدولية لهذه الخطوة التي قد تمنح إسرائيل ذريعة للمطالبة “بشرعية مواجهة إيران” دوليا.
من ناحيته، يستبعد الباحث السياسي مرتضى مكي أن تنجح روسيا في تمديد القرار الأممي 2231، واصفا مفاوضات جنيف بأنها “على الأرجح تمثل الفرصة الدبلوماسية الأخيرة لطهران لمنع تفعيل آلية الزناد”، مؤكدا أن الملف النووي الإيراني أصبح تحديا جديا للجانب الأوروبي، لأنه مع حلول يوم النهاية المقرر في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل وفق الاتفاق النووي لعام 2015، فإن الأوروبيين سيفقدون دورهم فيه.
وفي مقابلة مع صحيفة “اعتماد” الناطقة بالفارسية، يشير مكي إلى أن مطالب الدول الأوروبية في ملف طهران النووي أضحت مشابهة للمطالب الأميركية والإسرائيلية، في حين تعتقد إيران أن الأوروبيين لا يملكون أي أساس قانوني لتفعيل آلية الزناد لأنها لم تنتهك التزاماتها في اتفاق 2015.
كما تعتقد طهران -وفقا له- أن تعليقها أنشطة الضمانات جاء ردا على الانتهاكات المتكررة لالتزامات الطرف المقابل، “فضلا عن أنها أكدت مرارا أنه في حالة عودة الأطراف الأوروبية وأميركا إلى التزاماتهم، فإنها مستعدة لاستئناف تعاونها”.
تحفّظ الأطراف
في المقابل، رأت صحيفة شرق أن اجتماع جنيف لم يؤد إلى أي نتيجة واضحة، مستدركة أن عدم إصدار الأطراف المشاركة في المفاوضات أي بيان مؤشر على تحفظ أطرافها في التعبير عن مواقفهم، وليس بالضرورة دليلا على فشلها.
وفي تقرير تحت عنوان “الدبلوماسية في محطتها الأخيرة”، كتبت الصحيفة أن تأكيد إيران على منح فرصة للدبلوماسية، يدل على أن هذه المفاوضات بلغت مرحلة حساسة وهشة، لكن -في الوقت ذاته- يتضح من تصريحات غريب آبادي أن الأمل في حل دبلوماسي لا يزال قائما.
وخلصت إلى أنه “بناء على ما تسرب حتى هذه اللحظة، لم يحمل اجتماع جنيف مؤشرات إيجابية جدا، ومع ذلك لا يمكن اعتباره فاشلا، بل يبدو أن أطرافه يقومون بحذر شديد بتقييم الأجواء واستعداد آخر للمراحل المقبلة”.
يبدو أن أحدث جولة من المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية لم تصل إلى نقطة النهاية، لكنها لم تفتح طريقا جديدا أمام الدبلوماسية التي أضحت محكومة بمهلة الأوروبيين من جهة واقتراب يوم النهاية في الاتفاق النووي لعام 2015 من جهة أخرى، ومع ذلك فإن الفرصة لا تزال متاحة أمام المسارات الدبلوماسية ومصيرها سيعتمد على إرادة واختيار الطرفين خلال الأسابيع المقبلة.