26/8/2025–|آخر تحديث: 17:03 (توقيت مكة)
حين نتحدث عن المغناطيس، يخطر في أذهاننا فورا صورة قطعة الحديد التي تجذب المسامير أو تثبت على باب الثلاجة. لكن تخيّل أن هناك نوعا جديدا من المغانط لا يستطيع جذب أي شيء معدني، ومع ذلك يؤثر على الضوء نفسه، فيغير اتجاه اهتزازه وكأننا أمام سحر بصري.
هذا ليس خيالا علميا، بل نتيجة تجربة حديثة أنجزها باحثون من جامعة توهوكو اليابانية بالتعاون مع معاهد بحثية أخرى، وأثبتت وجود ما يسمى بالمغناطيس البديل أو “الألترمغناطيس”، كما أوضح الفريق في دراسة بدورية “فيزيكال ريفيو ريسيرش”.

أنواع المغناطيسية
لفهم أهمية الاكتشاف، علينا أن نتذكر أن المغناطيسية في المواد ليست نوعًا واحدا، فهناك المغناطيسية الحديدية، وفيها تتراص جميع الإلكترونات وتلفّ في اتجاه واحد، مما ينتج مجالا مغناطيسيا قويا كما في الحديد والنيكل.
هناك كذلك المغناطيسية المضادة، وفيها تتوزع تلك الإلكترونات ولفاتها في اتجاهات متعاكسة بحيث يلغي كل منها الآخر، وهنا لا مجال مغناطيسيا خارجيا لكن البنية الداخلية مرتبة.
وهناك “الألترمغناطيسية”، حيث لا يوجد مجال خارجي صاف، ولكن مع ذلك، تتوزع العزوم في نمط خاص يجعلها تؤثر على حركة الإلكترونات والضوء بطرق غير مألوفة، وهنا يكمن “الغموض”، حيث تبدو المادة وكأنها محايدة مغناطيسيا، لكنها تحمل بصمة مغناطيسية خفية تظهر فقط عند دراستها بوسائل متقدمة.
المغناطيسيات التقليدية يمكن قياسها بسهولة عبر أجهزة تكشف الحقول المغناطيسية، أما الألترمغناطيس فلا يظهر أي مجال خارجي واضح، لذلك بقي وجوده افتراضا نظريا لسنوات.
ولكن فريق جامعة توهوكو ابتكر معادلة جديدة تعتمد على قوانين ماكسويل للضوء، تسمح بدراسة المواد المعقدة مثل البلورات العضوية، بعد ذلك طبقوا قياسات دقيقة “لتأثير كير المغناطو-بصري”، وهو تغير في استقطاب الضوء عند انعكاسه عن مادة مغناطيسية، وهنا ظهرت إشارات لا لبس فيها تثبت أن تلك البلورة ألترمغناطيس حقيقي.

لماذا يُعد الأمر مهما؟
ويقول ساتوشي إيغوتشي، الأستاذ المشارك في معهد أبحاث المواد بجامعة توهوكو، في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه “يفتح هذا البحث الباب لاستكشاف المغناطيسية في فئة أوسع من المواد، بما في ذلك المركبات العضوية، ويمهد الطريق لتطوير أجهزة مغناطيسية عالية الأداء مستقبلًا تعتمد على مواد خفيفة الوزن ومرنة”.
بالطبع تظل الاختبارات في مرحلة أولية، لكن بتأكيد الأمس سيسهم هذا الكشف في توسيع حدود الفيزياء، فللمرة الأولى يثبت وجود الألترمغناطيسية في مادة عضوية، لا في معادن ثقيلة كما كان متوقعًا.
ولأن البلورات العضوية خفيفة وقابلة للثني، فهي تفتح الباب أمام أجهزة مغناطيسية غير تقليدية، الأمر الذي يمكن مستقبلا أن يمتلك تطبيقات في الحوسبة والصناعة.
كما أن تغيير استقطاب الضوء بدقة يجعل الألترمغناطيس مرشحا مهما في تقنيات الاتصالات البصرية والمستشعرات.