16/8/2025–|آخر تحديث: 19:06 (توقيت مكة)
كشفت مجلة “+972” الإسرائيلية أن الدافع وراء تشكيل ما يسمى”خلية إضفاء الشرعية”، المكلفة بتشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين في غزة وتصويرهم كمقاتلين سريين لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تمهيدا لقتلهم، لم يكن الأمن، بل العلاقات العامة، إذ كان مدفوعا بالغضب من قيام الصحفيين في غزة بـ”تشويه سمعة إسرائيل أمام العالم”.
ونقلت عن ضباط استخبارات إسرائيليين قولهم إن عملهم ضروري لتمكين إسرائيل من إطالة أمد الحرب، وفق ما أُبلغوا. وأوضح مصدر آخر أن فكرة الخلية هي السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل دون ضغوط، حتى لا تتوقف دول مثل أميركا عن تزويده بالأسلحة.
وبينت المجلة أن الخلية، التي أنشئت بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تعنى بصفة عامة بجمع معلومات استخباراتية من قطاع غزة، يمكن أن تعزز رواية إسرائيل في وسائل الإعلام الدولية، ومنذ الأسابيع الأولى التي تلت العملية سعت إسرائيل جاهدة إلى ربط الصحفيين الفلسطينيين بحماس لتبرير حرب الإبادة الجماعية على غزة.
ولفتت إلى أن فرقة استخباراتية عسكرية قامت سرا بالبحث عن مواد لتعزيز الدعاية الإسرائيلية، بما في ذلك “ادعاءات كاذبة”، من شأنها تبرير قتل الصحفيين الفلسطينيين.
وقال مصدر استخباراتي للمجلة: “إذا تحدثت وسائل الإعلام العالمية عن قيام إسرائيل بقتل صحفيين أبرياء، فإنه يتم على الفور الضغط للعثور على صحفي واحد قد لا يكون بريئا تماما، كما لو أن ذلك يجعل قتل العشرين الآخرين أمرا مقبولا”.
تشويه سمعة الصحفيين
وعلى مدى العامين الماضيين، أُنشئت داخل المخابرات العسكرية الإسرائيلية “فرق بحث”، وفق مصادر أمنية رسمية للمجلة، بهدف “تشويه سمعة” الصحفيين الذين يغطون الحرب بطريقة موثوقة ودقيقة، عبر الزعم بأنهم جزء من حماس.
وفي تقرير آخر، بينت مجلة “+972” أن تشويه إسرائيل لصورة الصحفيين الغزاويين واتهامهم بالانتماء لحماس هو تكتيك قديم، لإسكات أصوات الفلسطينيين ونزع شرعيتهم وترهيبهم، أو تبرير قتلهم بوتيرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
وقتلت إسرائيل 238 صحفيا فلسطينيا في غزة، وفق إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، كان آخرهم مراسليْ الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع و4 من زملائهما، حيث زعمت أن الشريف كان يقود خلية تابعة لحماس.

وعلى مدار الحرب لاحقت الحكومة الإسرائيلية صحفيي قناة الجزيرة، الشهيد إسماعيل الغول، والشهيد سامر أبو دقة، والشهيد حسام شبات، وإسماعيل أبو عمر، وطلال عروقي، وعلاء سلامة، وأشرف السراج، مدعية أنهم كانوا من نشطاء حماس أو الجهاد الإسلامي دون تقديم أي دليل ملموس.
وأوضحت المجلة أن الادعاء الإسرائيلي بالانتماء إلى جماعات فلسطينية مسلحة، كان بمثابة ذريعة استثمر الجيش الإسرائيلي موارد طائلة من أجل استخدامها ضد الصحفيين الفلسطينيين.
وأشارت المجلة إلى أن القتل القياسي للصحفيين في غزة، له هدف بعيد المدى بالنسبة لإسرائيل، يتمثل بتدمير شهادات الضحايا وأدلة جرائم الحرب التي ترتكبها، فغالبا ما يكون الصحفيون في غزة أول من يصل إلى مواقع الفظائع، ويضعون خرائط الهجمات، ويصلون إلى الضحايا والشهود، بالتالي، فإن إسكاتهم يُفقدهم كميات هائلة من المعلومات التي تدين إسرائيل.
استمرار تدفق الأسلحة الأميركية
وبحسب 3 مصادر نقلت عنها المجلة، فإن الجيش الإسرائيلي تعامل مع وسائل الإعلام كامتداد لساحة المعركة، مما سمح لها بإلغاء السرية عن المعلومات الاستخباراتية الحساسة ونشرها للجمهور.
وسعت “خلية الشرعية” في وقت سابق إلى الحصول على معلومات عن استخدام حماس للمدارس والمستشفيات لأغراض عسكرية، وعن إطلاق “صواريخ فاشلة” من فصائل المقاومة أضرت بالمدنيين في القطاع.
ووصفت المجلة -نقلا عن مصادرها- نمطا متكررا في عمل الوحدة، حيث يُطلب من “خلية الشرعية” العثور على معلومات استخباراتية يمكن رفع السرية عنها واستخدامها علنا لمواجهة الرواية المضادة، كلما اشتدت الانتقادات الموجهة لإسرائيل في وسائل الإعلام بشأن قضية معينة.
وبيّن مصدر للمجلة أن القيادة السياسية الإسرائيلية تملي على الجيش المجالات الاستخباراتية المطلوب تركيز الوحدة عليها، مؤكدا أن المعلومات التي تجمعها الخلية تمرر بانتظام إلى الأميركيين عبر قنوات مباشرة، في حين أقر ضباط استخبارات بأن عملهم ضروري لتمكين إسرائيل من إطالة أمد الحرب، وفق ما أُبلغوا.

وأوضح مصدر آخر أن فكرة الخلية هي السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل دون ضغوط، حتى لا تتوقف دول مثل أميركا عن تزويده بالأسلحة.
وروى اثنان من مصادر الاستخبارات للمجلة أن “خلية الشرعية” حرفت المعلومات الاستخباراتية في حالة واحدة على الأقل منذ بدء الحرب، بطريقة سمحت بتصوير صحفي زورا على أنه عضو في الجناح العسكري لحماس.
وأضافا “كانوا حريصين على تصنيفه كهدف -كإرهابي- ليقولوا إنه لا بأس بمهاجمته”، كما يتذكر أحد المصادر “قالوا: خلال النهار هو صحفي، وفي الليل هو قائد خلية، كان الجميع متحمسين، لكن كانت هناك سلسلة من الأخطاء والتقصير”.
وهذا ما حدث مع الصحفي أنس الشريف، وفق المجلة، مبينة أنه جرى تلاعب في المعلومات الاستخباراتية المقدمة عن الشريف، فوفقا للوثائق التي نشرها جيش الاحتلال، والتي لم يجرِ التحقق منها على نحو مستقل، فقد تم تجنيده في حماس في عام 2013 وظل نشطا حتى أصيب في عام 2017، مما يعني أنه حتى لو كانت هذه الوثائق دقيقة، فإنها تشير إلى أنه لم يلعب أي دور في الحرب الحالية.
مجزرة المستشفى المعمداني
وكانت إحدى أولى الجهود البارزة “للخلية الإسرائيلية” عقب مجزرة مستشفى الأهلي التي اقترفها جيش الاحتلال في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث نقلت وسائل الإعلام الدولية، عن وزارة الصحة في غزة، استشهاد 500 فلسطيني، جراء الغارة الإسرائيلية على المستشفى.
لكن في اليوم التالي للمجزرة، نشر جيش الاحتلال تسجيلا عثرت عليه الخلية الإسرائيلية يتضمن مكالمة هاتفية بين اثنين من عناصر حماس يلقيان باللوم في الحادث على صاروخ أطلقته “الجهاد الإسلامي” وأخطأ هدفه.
وآنذاك اعتبرت العديد من وسائل الإعلام العالمية هذا الادعاء محتملا، مما شكك بمصداقية وزارة الصحة في غزة، واعتبره الجيش الإسرائيلي انتصارا للخلية.
يذكر أن تحقيقا أجرته وكالة “سند” في شبكة الجزيرة عبر استخدام المصادر المفتوحة، أثبت أن جيش الاحتلال هو المسؤول عن استهداف المستشفى، وأنه ضلل الإعلام والرأي العام عبر رواية زائفة.