7/8/2025–|آخر تحديث: 11:53 (توقيت مكة)
إنهم يبحثون عن إبرة في كومة قش، هكذا وصف تقرير معهد “بوينتر” البيئة التي يعمل فيها مدققو الحقائق، خاصة في ظل وجود سيل من الأخبار الكاذبة، وما يقرب من ربع مليون معلومة يوميا بحاجة إلى التحقق من دقتها.
وقد ناقش المعهد الأميركي، المختص بالدراسات الصحفية وممارسات وسائل الإعلام، التحديات أمام مدققي الحقائق في سبيل تحديد أولويات الأخبار الكاذبة والادعاءات التي يجب التحقق منها، بناء على مدى ضررها.
وتناول المعهد في التقرير، الذي أعده الباحثان “بيتر كونليف جونز” و”أندرو دادفيلد”، نموذجا “صارما” يتضمن معايير تساعد مدققي المعلومات على تضييق الخيارات أمام سيل الأخبار الكاذبة المتدفق على الإنترنت.
ولفت “جونز” و”دادفيلد” إلى تجربة مؤسسة “فل فاكت” (Full Fact)، وهي أكبر منظمة مستقلة للتحقق من الحقائق في المملكة المتحدة، حيث استخدمت الشهر الماضي أدوات الذكاء الاصطناعي لمسح النقاشات العامة في وسائل الإعلام وعلى الإنترنت، وحددت ما معدله 240 ألفا و437 محتوى يتم تداوله يوميا، يمكن أن تقوم “فل فاكت” أو إحدى المؤسسات العشر الأخرى التي تستخدم أدواتها بالتحقق من صحته.
ولأن الأخبار الكاذبة ليست متساوية في الأهمية، تمكنت “فل فاكت” عبر أدوات الذكاء الاصطناعي مرة أخرى من استبعاد أكثر من 99% من الادعاءات، باعتبارها غير مهمة بالنسبة للمؤسسة للتحقق منها، لكونها آراء أو تنبؤات أو ادعاءات متكررة، أو تتعلق بموضوعات مجردة للغاية، بحيث لا يكاد يكون لها أي تأثير.
معظم المؤسسات التي تكافح الحقائق الزائفة تتبع عملية مشابهة إلى حد كبير، عبر استخدام مزيج من البحث الرقمي والرؤية البشرية، لغربلة عدد لا يحصى من الادعاءات، والتركيز على تلك التي تجدها أكثر أهمية.
وبيّن الباحثان أنه ورغم أن التكنولوجيا ضيقت نطاق الاختيار إلى عشرات الادعاءات المهمة فقط، كان لا يزال على مدققي الحقائق أن يقرروا أي الأخبار سيعملون على التحقق منها، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الادعاء، وتأثيره المحتمل وعوامل أخرى. وتقوم “فل فاكت” بمتوسط 10 عمليات تحقق كاملة ومفصلة من الحقائق يوميا.
ويوضح “بوينتر” أن معظم المؤسسات التي تكافح الحقائق الزائفة تتبع عملية مشابهة إلى حد كبير، عبر استخدام مزيج من البحث الرقمي والرؤية البشرية، لغربلة عدد لا يحصى من الادعاءات، والتركيز على تلك التي تجدها أكثر أهمية.
عوامل اختيار الخبر للتحقق
وأجرى الباحثان استبيانا في يونيو/حزيران الماضي، شاركت به 70 مؤسسة من أبرز مؤسسات مكافحة المعلومات الزائفة وتدقيق الحقائق في العالم، حول الاعتبارات التي تراعيها عند اختيار المواد التي ستتحقق منها كل يوم.
وأظهرت الإجابات 3 عوامل رئيسية: الضرر، ومدى انتشار الادعاء، وقوة من أطلقه، في حين كان العامل الأكثر تكرارا هو أن الادعاء “قد يتسبب في ضرر محدد، الآن أو في المستقبل القريب”، وهو ما ذكره 93% من المشاركين.
وذكر 83% من المؤسسات أن العامل الثاني هو ما إذا كان الادعاء يصل إلى جمهور كبير، وجاء بعد ذلك بفارق ضئيل، بنسبة 81%، ما إذا كان الادعاء صادرا عن شخص مؤثر. ويميل مدققو الحقائق إلى التحقق من صحة ادعاءات الحزب أو الأحزاب التي تمثل الأغلبية أكثر من تلك التي تمثل الأقلية أو المعارضة، وفق الباحثين.
العواقب الحقيقية للمعلومات الكاذبة شديدة، وقد ثبتت هذه الآثار المحتملة مرارا وتكرارا، من الأضرار الواسعة النطاق التي تلحق بالصحة الفردية والعامة، والعنف الأهلي، والحروب والصراعات، وتشويه الديمقراطية، إلى الآثار السلبية على الاقتصاد ونظام العدالة والصحة العقلية للأفراد.
ويلفت الباحثان إلى أن توقع تأثير المعلومات على السلوك يعد أمرا صعبا، كما أثبتت عقود من الأبحاث الأكاديمية، مشيرين إلى أنه وعندما طُلب من معظم الناس، بمن فيهم مدققو الحقائق، تحديد ادعاءات كاذبة محددة على أنها قد تكون ضارة أو غير ضارة، بالغوا في تقدير احتمال أن تتسبب العديد من الأخبار الكاذبة في عواقب كبرى.
ومع ذلك، كما توضح الدراسات، غالبا ما تكون العواقب الحقيقية للمعلومات الكاذبة شديدة، وقد ثبتت هذه الآثار المحتملة مرارا وتكرارا، من الأضرار الواسعة النطاق التي تلحق بالصحة الفردية والعامة، والعنف الأهلي، والحروب والصراعات، وتشويه الديمقراطية، إلى الآثار السلبية على الاقتصاد ونظام العدالة والصحة العقلية للأفراد.
ولكن ماذا عن الكم الهائل للمعلومات الزائفة؟
ومع ذلك، يقول الباحثان، لا يزال الكم الهائل من المعلومات المضللة المتاحة في العالم مروعا، وفيما يتعلق بتحديد ما هو صحيح أو خاطئ للجمهور، بيّن “جونز” و”دادفيلد” أن ثمة طريقين رئيسين لذلك في الوقت الحالي.
ويتمثل الأول في أنظمة “ملاحظات المجتمع” التي تستخدمها منصات التواصل الاجتماعي، “إكس” في جميع أنحاء العالم، و”تيك توك” و”ميتا” في الولايات المتحدة.
وتقول هذه الشركات إن النظام يمكنه معالجة صحة المحتوى الذي يتم تقييمه على نطاق يتجاوز ما يمكن أن يفعله مدققو الحقائق المحترفون، بناء على إجماع الجمهور، ويعلق الباحثان بالقول إنه وعلى الرغم من فائدة هذا النموذج، فإنه غير مصمم بناء على احتمالية أن تسبب الأخبار الكاذبة ضررا.
لذلك، يتابع الباحثان، فإن الطريقة الأخرى هي استخدام الذكاء الاصطناعي لمطابقة نتائج التحقق من المعلومات مع المحتوى الجديد والقائم الذي ينشر ادعاءات مماثلة أو مشابهة جدا، لافتين إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تستخدم هذه العملية منذ فترة طويلة، فوفق تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي، استخدمت “ميتا” الذكاء الاصطناعي لمطابقة الادعاءات، لتصنيف 27 مليون منشور إضافي خلال فترة 6 أشهر في عام 2024.