5/8/2025–|آخر تحديث: 23:22 (توقيت مكة)
في مقال نشرته صحيفة “زمن إسرائيل” العبرية، شبّه الكاتب الإسرائيلي إيال روتفيلد الواقع السياسي في إسرائيل عام 2025 بتلك الدولة الشمولية التي وصفها الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته الشهيرة “1984”.
ويرى الكاتب أن ما تنبأ به أورويل قبل نحو 8 عقود لم يعد مجرّد خيال سوداوي، بل تحوّل إلى واقع حي في إسرائيل يُبثّ مباشرةً على شاشات التلفاز وعبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويضيف أن رواية “1984” لم تُصب بالشيخوخة، بل تجدد شبابها، ليس كقطعة أدبية كلاسيكية، بل كجرس إنذار من انزلاق المجتمعات إلى الحضيض في ظل أنظمة قمعية تزيّف الحقائق وتحكم عبر إثارة المخاوف وتضليل الرأي العام.
دكتاتورية من نوع مختلف
وحسب الكاتب فإن ما يحدث في إسرائيل في ظل حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، و”الثورة الحزبية” التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من عقد، قد تجاوز نبوءة أورويل.
فقد وصف الروائي البريطاني نظاما شموليا يحكم عبر القمع الوحشي ومراقبة العقول، بينما تتشكل في إسرائيل دكتاتورية من نوع جديد، لا تعتمد على القوانين القمعية، بل تستخدم أدوات ديمقراطية -في ظاهرها- لترسيخ هيمنة فكرية وإعلامية خانقة.
ويشير الكاتب إلى أن السلطة في إسرائيل لا تزيّف التاريخ في السر، كما كانت تفعله الأنظمة القمعية في الماضي، بل في العلن أمام عدسات الكاميرا، وعبر تغريدات السياسيين وخطاباتهم وتصريحاتهم المتلفزة.
ويؤكد أن جزءا كبيرا من الجمهور لا يكتفي بتصديق هذا “التزييف”، بل يريده ويطلبه، إذ يرى في القادة الذين يكذبون علنا وبلا خجل “رموزا للقوة”، بدلا من أن يحاسبهم على التضليل وإخفاء الحقائق.
انقلاب المفاهيم
ويتابع الكاتب قائلا إن انقلاب المفاهيم بات ممنهجا، إذ أصبحت “القيادة القوية” مرادفا للهروب من الحقيقة، و”النصر” يعني الهزيمة، و”الحكومة الوطنية” ليست سوى تحالف مصالح يمينية “متطرفة”.
وينقل عن الباحثة الإسرائيلية رينا عناتي قولها في تلخيص هذا المشهد: “يُطلقون على الهزيمة اسم النصر، ويُقال عن الرجل الضعيف إنه قائد قوي، وبذلك يمكن للمجرمين أن يعتقلوا مواطنين ملتزمين بالقانون”.
ويؤكد الكاتب أن الشارع الإسرائيلي يعيش اليوم أجواء من التخوين المُمنهج لكل من يجرؤ على التفكير النقدي أو مخالفة الرواية الرسمية، حيث يُتهم المعارضون بـ “العمالة”، ويُصنّف المتظاهرون كـ “خونة” أو “كارهين للجيش”، وتُهمش عائلات الأسرى بذريعة “عدم الانصياع لمصلحة الدولة”.
إيال روتفيلد: الشارع الإسرائيلي يعيش اليوم أجواء من التخوين المُمنهج لكل من يجرؤ على التفكير النقدي أو مخالفة الرواية الرسمية
“الأخ الأكبر”
يقول الكاتب إن “الأخ الأكبر” في رواية أورويل يرمز إلى الحكومة التي تراقبك باستمرار، أما في إسرائيل عام 2025، فإن الأمر معكوس: الجمهور يراقب القائد باستمرار، ويختار تجاهل الحقيقة.
ويضيف: “لا حاجة لشرطة فكرية. هناك خطاب مسموم، مُشبع بالخوف. كل من يفكر بشكل مختلف يُدان. كل من ينتقد يتم إسكاته. والرسالة واضحة: القائد ليس مخطئا. لا يخسر. لا يفشل. وإذا استمر أي خطأ، فالمسؤولية تقع على عاتق الخونة، اليساريين، القضاء، الأوساط الأكاديمية، الإعلام، النساء، البدو، أو المختطفين”.
ويرى الكاتب أنه في أي بلد ديمقراطي، ينبغي أن يكون هناك حق واحد غير قابل للتفاوض، وهو الحق في التفكير، لكن في الخطاب السياسي الحالي في إسرائيل، يُنظر إلى التفكير المستقل على أنه انحراف عن المألوف.
والمشكلة -على حد تعبيره- لا تكمن فقط في بنيامين نتنياهو، بل في النظام الذي يُولّد الخوف ويُحدّد الأعداء ويُسوّق وهم السيطرة.
رغم كل ذلك، يؤكد الكاتب أن هناك كثيرين في إسرائيل لم يستسلموا للدعاية واختاروا عدم نشر الأكاذيب، وأدركوا أن الصمت في مثل هذا الوضع تواطؤ وليس حيادا.
ويختم الكاتب قائلا إن “من بين جميع الأصوات، هناك صوت واحد لا يجب إسكاته: الصوت الذي يصرخ، الملك عريان. لأنه إن لم نتحرك الآن، فلن يكون هناك مستقبل ديمقراطي نستطيع حمايته”.