8/7/2025–|آخر تحديث: 15:21 (توقيت مكة)
لطالما ارتبطت ثورة المغرب من خام الفوسفات باستخدامها في تصنيع الأسمدة، ثم لاحقا في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون، لكن دراسة مغربية حديثة تشير إلى استخدام ثالث، يمكنه حل أزمتي العطش ونقص الطاقة، وهو استخراج اليورانيوم الخفي من صخور الفوسفات، لتشغيل مفاعلات نووية لتحلية مياه البحر، بحسب الدراسة المرجعية المنشورة بدورية “راديشن فيزيكس آند كمستري”.
ويواجه المغرب أزمة مائية خانقة، فمع ازدياد الجفاف وتكرار موجات الحرارة، تراجعت الموارد المائية إلى مستويات مقلقة، حتى أصبح نصيب الفرد من المياه سنويا أقل من 600 متر مكعب، بحسب تقارير الأمم المتحدة، وهو ما يصنف ضمن “الندرة المائية الحادة”.
وفي مقابل ذلك، هناك طلب متزايد على المياه في الزراعة، والصناعة، والمجتمعات الحضرية، وهو ما يفاقم المشكلة، ويجعل تحلية مياه البحر خيارا لا مفر منه لتأمين مصادر بديلة من المياه العذبة، غير أن هذا الحل يصطدم بعقبة التكلفة المرتفعة لمصادر الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التحلية، فضلا عن الأثر البيئي السلبي لهذه المصادر التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
ولمواجهة هذه التحديات، تستكشف الدراسة التي أعدها باحثون من مختبر الفيزياء النووية والذرية والجزيئية بكلية العلوم جامعة شعيب الدكالي بمدينة الجديدة، توظيف المغرب تقنية جديدة نسبيا في المنطقة، وهي تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة النووية، إذ تعتمد هذه التقنية على حرارة المفاعلات النووية لتبخير مياه البحر وفصل الأملاح عنها، ما يجعلها فعالة واقتصادية على المدى البعيد، وذات أثر بيئي منخفض مقارنة بمحطات التحلية التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
لكن العقبة الأساسية لهذه الإستراتيجية تكمن في تأمين إمدادات دائمة من اليورانيوم، الوقود الأساسي لتشغيل المفاعلات النووية، ويمكن تجاوزها باللجوء إلى اليورانيوم الخفي في صخور الفوسفات، بحسب الدراسة.

مفاجأة في قلب الفوسفات
ويحتل المغرب المرتبة الأولى عالميا في احتياطي الفوسفات (نحو 50 مليار طن)، وقدرت الدراسة امتلاكه ضمن هذه الصخور كنزا دفينا يقدر بنحو 6.9 ملايين طن من اليورانيوم، ما يؤهله لأن يكون أكبر مصدر عالمي لليورانيوم غير التقليدي، أي المستخرج من مصادر غير خاماته المعدنية المباشرة.
ويوجد اليورانيوم مختلطا داخل صخور الفوسفات على هيئة شوائب دقيقة جدا، أي أنه جزء من تركيبة الفوسفات نفسه، وعند معالجة الفوسفات في المصانع، وهي العملية التي يُنتج فيها الحمض الفوسفوري الرطب من أجل صناعة الأسمدة، يذوب جزء كبير من هذا اليورانيوم داخل الحمض كمركب كيميائي.
وبما أن هذا الحمض منتج ثانوي مهم في صناعة الأسمدة الفوسفاتية، فإن وجود اليورانيوم فيه يعني أن هناك فرصة لاستخلاصه من العملية الصناعية نفسها، دون الحاجة إلى استخراج خامات جديدة من الأرض، حيث تشير كثير من الدراسات إلى أن أكثر من 80% من اليورانيوم الموجود في الفوسفات يتحلل في الحمض أثناء المعالجة، ما يعني إمكانية استخلاصه بسهولة نسبية لو توافرت التقنيات والدعم الصناعي المناسب.
واستعرضت الدراسة المغربية ثلاث طرق واعدة لاستخلاص هذا اليورانيوم، أولها الاستخلاص بالمذيبات، وهي الطريقة الأكثر استخداما حاليا، وتعتمد على استخلاص اليورانيوم من “الحمض الفوسفوري الرطب”، وهو ناتج جانبي مهم في صناعة الأسمدة، وتُستخدم في هذه العملية مركبات عضوية خاصة قادرة على الارتباط بجزيئات اليورانيوم دون غيرها، ما يسمح بفصلها عن باقي مكونات الحمض.
وفي هذه العملية، يُخلط الحمض مع المذيب العضوي، فينتقل اليورانيوم إلى الطبقة العضوية، بينما تبقى المكونات الأخرى في الطبقة المائية، وهذه الطريقة فعالة وتُستخدم صناعيا على نطاق واسع، لكن أبرز عيوبها أن بعض المركبات العضوية قد تكون سامة أو ملوثة للبيئة إن لم تعالج جيدا.
أما الطريقة الثانية، وهي التبادل الأيوني، فتعتمد على استخدام راتنجات صناعية، لها شحنات كهربائية قادرة على جذب أيونات اليورانيوم واستبدالها بأيونات أخرى مثل الهيدروجين أو الصوديوم.
وفي هذه الطريقة، تمر محاليل الفوسفات المحتوية على اليورانيوم بأعمدة مملوءة بالراتنجات، فتلتقط الراتنجات أيونات اليورانيوم وتُطلق بدلا منها أيونات غير مشعة، وتحقق هذه الطريقة دقة في العزل، وسهولة في إعادة استخدام الراتنجات بعد تنظيفها، أما عيوبها، فهي تحتاج إلى تجديد مستمر للراتنجات، وقد تكون مكلفة في التشغيل طويل الأمد.
وأخيرا، تأتي تقنيات الأغشية والفصل الفيزيائي، والتي توصف بأنها مستقبل الاستخلاص النووي، حيث تعتمد على استخدام أغشية دقيقة أو نانوية قادرة على فصل جزيئات اليورانيوم بدقة عالية، وأشهر أمثلتها “التناضح العكسي”، والذي يعتمد على استخدام ضغط عالٍ لدفع المحلول عبر غشاء خاص يسمح بمرور الماء ويمنع اليورانيوم، وطريقة “الفصل النانوي”، المعتمدة على أغشية أكثر دقة قادرة على حجز جزيئات اليورانيوم دون الحاجة إلى مذيبات.
ومزايا هذه الطريقة، أنها صديقة للبيئة ولا تعتمد على مركبات كيميائية ضارة، كما أنها أكثر كفاءة في حالات التركيز المنخفض لليورانيوم، أما عيوبها، فهي أنها لا تزال في مرحلة البحث والتطوير الصناعي، وتحتاج إلى استثمارات أولية مرتفعة.

فرص إستراتيجية وتحديات
واستغلال هذا المورد يفتح للمغرب آفاقا إستراتيجية متعددة تشير إليها الدراسة، أبرزها الاستقلال الطاقي، وذلك بتقليل الاعتماد على واردات الوقود النووي من الخارج، تحقيق الأمن المائي، بدعم مشاريع التحلية النووية لتوفير مياه الشرب للمواطنين، واحتلال المغرب موقعا دوليا رياديا كسوق الوقود النووي العالمية، وأخيرا تحقيق تنمية صناعية متكاملة، بربط قطاع الفوسفات بصناعات الطاقة والتقنيات النووية.
كما أن هذه الخطوة تتماشى مع التوجهات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، خاصة في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بالطاقة النووية كبديل منخفض الكربون.
ورغم هذه المزايا، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض التحديات التي أشارت إليها الدراسة، مثل ارتفاع تكلفة استخلاص اليورانيوم من الفوسفات بالمقارنة مع المصادر التقليدية، الحاجة إلى بنية تحتية صناعية متطورة قادرة على المعالجة الآمنة، نقص الأطر التشريعية التي تنظم أنشطة التعدين النووي غير التقليدي، المخاوف البيئية المرتبطة بالتخلص من النفايات المشعة.